أحاديث رمضان 1431هـ - أمثال القرآن الكريم - الدرس (25-34) - قال صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-09-05
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
القصد من وصف المؤمنين في القرآن والسنة :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في نصوص الأمثال من الكتاب والسنة، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
أول نقطة: وصف المؤمنين في القرآن والسنة ما القصد منه؟ هناك هدفان كبيران، أول هدف أن تعرف من هو المؤمن، أو أن تتحرك نحو هذا الهدف، والثاني أن يكون هذا الوصف مقياساً لك، نقطة دقيقة أن تعرف من هو المؤمن، وأن تسعى لأن تكون مؤمناً، وإذا أصابك قلقٌ فيما إذا كنت مؤمناً، أم لم تكن مؤمناً، فهذا الوصف مقياس لك.
لك أخوة مؤمنون، لو أن واحداً منهم أصابه خير، هل تفرح له؟ بكل صراحة، إن فرحت لهذا الخير الذي أصاب أخاك فأنت مؤمن ورب الكعبة لماذا؟ لأن المنافقين وصفهم الله عز وجل فقال:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
[سورة التوبة الآية:50]
لك أخ أخذ دكتوراه، لك أخ نجح بزواجه، نجح بتجارته، هل تفرح له كما لو أن هذا النجاح لك؟ ورب الكعبة إن فرحت لخير أصاب أخاك فأنت مؤمن، وإذا تألمت وانزعجت، وكظمت الغيظ، وتمنيت لو أن هذا الخير لم يصل إليه، أو تمنيت أن يزول عنه، أو سعيت إلى إزالته، فأنت منافق ورب الكعبة، الدليل الآية الكريمة:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
﴿ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
[سورة آل عمران الآية:120]
هذا مقياس، امتحن إيمانك بمشاعرك تجاه أخيك إذا أصابه خير، أن تفرح له، وامتحن إيمانك بمشاعرك تجاه أخيك إذا أصابه سوء، هل تتألم؟ هل تتمنى ألا يصاب بهذا السوء؟.
تقسيم المجتمعات الإسلامية إلى فئات وجماعات تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان:
لذلك البطولة الآن أن كل شيء متوفر بحياتنا، جامعات إسلامية، مراجع إسلامية، مؤلفات إسلامية، مؤتمرات إسلامية، فمظاهر الإسلام صارخة الآن، مساجد والله كل مسجد اطلعت عليه أو زرته في أطراف العالم الإسلامي شيء لا يصدق، تحفة من تحف العرب، تكلفته تقدر بمليار ليرة، مسجد فوق البحر.
﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾
[سورة هود الآية:7]
الذي أمر ببناء هذا المسجد فوق البحر من هذه الآية، أنا اطلعت على مساجد في أطراف العالم الإسلامي يكاد الإنسان لا يصدق هذا الفن، وهذه الفخامة في المساجد، مؤتمرات إسلامية موجودة، مؤلفات إسلامية بالملايين، كل شيء يخطر في بالك موجود، أما الحب الذي كان بين المؤمنين في عهد الصحابة الآن غير موجود، وهذا الحب أحد لوازم الإيمان، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، أما تقسيم المجتمعات الإسلامية إلى فئات وجماعات، هذه التقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، الله عز وجل في القرآن الكريم أكد على مقياسين، مقياس العلم والعمل، فإذا كنت مؤمناً علماً، ومستقيماً سلوكاً، فأنت أخي في الله، لو كنت من جماعة أخرى، تقسيم المجتمع الإسلامي لجماعات إسلامية، وهذه الجماعات متناحرة، تتراشق التهم، كلٌ يكفر الآخر، شيء غير معقول.
سافرت إلى بلد، إلى أقصى بلد في الأرض، إلى جنوب الأرض، وجدت في المدينة التي فيها سبعمئة ألف مسلم، المسلمون فريقان، كل فريق يتهم الآخر بأبشع التهم، زرت الفريق الأول، زرت الفريق الثاني، ألقيت عندهم محاضرات في الإذاعة، هناك دعوة ثانية جاءتني بعد سنتين دعاني الفريق الآخر، زرت الأول قلت لهم: أنا لكل المسلمين، و لكن التفرقة، وتقسيم الناس إلى جماعات، وإلى أقليات، وإلى فقاعات، لا ننجح الآن إلا إذا كان الانتماء إلى مجموع المؤمنين، هذا الحديث من أقوى الأحاديث :
(( مَثَلُ المؤمنين - مجموع المؤمنين- في تَوَادِّهم - المودة بينهم - وتراحُمهم وتعاطُفهم - التعاطف شعور داخلي، والتراحم سلوك، والمودة تعبير عن الحب - مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
التفرقة بين المسلمين هي الورقة الرابحة الوحيدة بيد أعدائهم :
أخواننا الكرام، من باب الأحلام، أنت تصور أحدث رقم سمعته قبل أيام أن المسلمين صار عددهم مليار وثمانمئة مليون، أي أكثر من ربع سكان الأرض، يتربعون على منطقة إستراتيجية تعد أول منطقة في العالم، عندهم ثروات باطنية، هي أغلى ثروات في الأرض، ومع ذلك هم أفقر الشعوب، وبينهم مناحرات، وعداوات، بل وحروب، بل إن أعداء المسلمين يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة.
كنت مرة في ألمانيا، و أنا بالسيارة قالوا لي: نحن الآن في هولندا، أين الحدود؟ لا يوجد أية لوحة إذاً كيف عرفتم؟ قال: من لوحات السيارات، اختلف لونهم.
كنت مرة بايطاليا، أخ دعاني إلى مكتبه فزرته في إيطاليا، ثم دعاني إلى بيته، كان في بلد آخر في سويسرا، معقول، بيته ببلد، ومكتبه ببلد آخر، لا يوجد حد، ولا لوحة، لكن أنا عندما طلبت التأكيد على ذلك، قال لي: يوجد بالطريق صف أحجار عرضي، هذا الفرق بين سويسرا وايطاليا، دول فيها بينها حروب لا يعلمها إلا الله، وقوميات، فكرت فأصبحت دولة واحدة، عملتها واحدة اليورو، ينطق بلسانها واحد، تصور أوربا بكاملها، السوق المشترك، ينطق بلسانها واحد، والعملة واحدة، والأموال تنطلق بلا قيد أو شرط، معقول هؤلاء بذكائهم اتحدوا، ونحن مليار وثمانمئة مليون مسلم، نملك ثروات لا يعلمها إلا الله، نتمتع بموقع استراتيجي أول في العالم، ونحن أفقر الشعوب من التفرقة!.
لذلك أيها الأخوة اعتقدوا يقيناً أن الطغاة بالأرض معهم ورقة رابحة وحيدة، هي التفرقة بين المسلمين، هذه الورقة الرابحة الوحيدة، نحن بوعينا نستطيع أن نسقطها، أو أن نأخذها منهم بالتعاون.
مؤمن بالإله العظيم، مؤمن بالنبي الكريم، مؤمن بالقرآن الكريم، لماذا تعاديه؟ لذلك الله وصف فرعون وهو طاغية سيدنا موسى، قال:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
[سورة القصص الآية:4]
هذا شأن الطغاة، التفرقة بين المسلمين، لما جاء الغرب إلى بلد مجاور واحتله، أول شيء قسمه إلى عربي، وكردي، وآشوري، وسني، وشيعي، أي هناك تركيز واضح جداً على التفرقة.
على الإنسان أن يكون انتماؤه إلى مجموع المؤمنين كي يكون مؤمناً :
لذلك أيها الأخوة أتمنى على الواحد منكم إن كان له جامع، على العين والرأس، لكن أخاك بالجامع الثاني أخوك بالإيمان، لا تعاديه، لا تنظر له نظرة دنيا، نحن من جامع فلان، يجب أن يكون انتماؤك إلى مجموعة مؤمنين حتى تكون مؤمناً.
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم))
يجب أن تكون مودتك لكل المؤمنين، لكل المسلمين، وأن تكون رحمتك وعطاؤك لكل المسلمين، وتعاطفك مع كل المؤمنين.
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
يجب أن تقلق لسوء أصاب أخاك، يجب أن تفرح لخير أصاب أخاك، والآية الكريمة دقيقة جداً:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
﴿ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
أي لا يوجد إنسان إلا ويعلم حقيقته، والدليل:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
[سورة القيامة]
قالوا: بإمكانك أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، وبإمكانك أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا من سابع المستحيلات، أنا أضيف على هذا القول: أما أن تخدع نفسك لثانية واحدة فمستحيل، الدليل:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
من دلائل قدرة الله عز وجل المودة و الرحمة بين المؤمنين :
لا يقوي المسلمين إلا أن يكون انتماؤهم إلى الجميع، أنت تحب كل المؤمنين لكن هناك نظرات ضيقة جداً، هناك انتماء إلى فقاعات، انتماؤك إلى جامع واحد، أي إذا كان لك جار من جامع ثان تقول: هذا ليس من أخواني، خير إن شاء الله، من قال لك ليس من أخوانك؟ له عند الله مكانة كبيرة، هذا الفكر القديم الذي عشناه في الخمسينات يجب أن ينتهي، يجب أن يكون انتماؤك إلى مجموع المؤمنين، لذلك:
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
هذا الذي يرفع قدر المسلمين، هذا الذي يقويهم، هذا الذي ينمي بينهم المودة والرحمة، والله عز وجل من دلائل قدرته أن جعل هذه المودة والرحمة بين المؤمنين، لقوله تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
[سورة مريم]
قال علماء التفسير: ود فيما بينهم، وقال بعض العلماء: ود فيما بينهم وبين الله، نعيد أخيراً قراءة الحديث:
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
والحمد لله رب العالمين