عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج). قالوا: يا رسول الله أيما هو؟ قال: (القتل القتل)1.
بل لكثرة من يُقتل فإن القاتل لا يدري لماذا قَتل! ولا يدري المقتول لماذا قُتل؟!؛ كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتل ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل)2.
أمة الإسلام: اعلموا أن الله -عز وجل- كرم الإنسان المؤمن أيما إكرام، فجعل له حرمة عظيمة، ومكانة عالية، وحرم التعرض له بأي نوع من أنواع الأذى، فقال نبي الرحمة: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)3. فكما أنه لا يحل إيذاء المسلم في عرضه بالانتهاك والانتقاص وغير ذلك، فكذلك لا يحل سفك دمه وإراقته بغير إذن شرعي، بل ولا يحل التسبب في ذلك؛ قال القرطبي-رحمه الله-: "فإن الدماء أحق ما احتيط لها؛ إذ الأصل صيانتها في أهبها، فلا نستبيحها إلا بأمرٍ بين لا إشكال فيه"4.
وتعظيماً لقتل النفس المعصومة بغير حق، وبياناً لشدة خطره، والتحذير منه؛ فقد حرم الله قتل النفس بغير حق؛ فقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ... وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} سورة الأنعام(151)، وقد حذر الله من قتل النفس بغير حق، وأوصانا بعدم الإقدام على ذلك؛ فقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} سورة الإسراء(33).
أيها لناس: لقد نفى الله الإيمان عمن قتل مؤمناً بغير حق؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا...} سورة النساء(92)؛ فـ"هذه الصيغة من صيغ الامتناع، أي يمتنع ويستحيل أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن، أي متعمدا، وفي هذا الإخبارُ بشدة تحريمه وأنه مناف للإيمان أشد منافاة، وإنما يصدر ذلك إما من كافر، أو من فاسق قد نقص إيمانه نقصا عظيما، ويخشى عليه ما هو أكبر من ذلك، فإن الإيمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الأخوة الإيمانية التي من مقتضاها محبته وموالاته، وإزالة ما يعرض لأخيه من الأذى، وأي أذى أشد من القتل؟ وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)5، فعلم أن القتل من الكفر العملي وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله"6..
ويشهد لذلك -عباد الله- أن الله ذكره بعد الشرك بالله؛ كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} سورة الفرقان(68-69-70)؛ فمن أقدم على قتل النفس بغير حق فقد انتفت عنه صفة العبودية الكاملة؛ لأن الله ذكر أن من صفات عباد الله أنهم لا يقتلون النفس بغير حق، ويؤكد ذلك ما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن)7. وعن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)8..
أيها الناس: لقد توعد الله من قتل مؤمناً متعمداً بغير حق بجهنم، وبحلول غضب الله ولعنته، قال الله -تعالى-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء(93)؛ فقد ذكر الله "هنا وعيد القاتل عمداً؛ وعيداً ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وينزعج منه أولو العقول، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزءاه جهنم، أي فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجنهم بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار، فيا عياذاً بالله من كل سبب يُبعد عن رحمته"9..
وقد عدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل النفس بغير حق من السبع الموبقات؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)