أرض الرجل للرجل والمرأة محرومة منها، فلا يحق للفتاة في بعض المجتمعات العربية مثل مصر وفلسطين واليمن والأردن أن تطالب بميراثها في الأرض، وإن حدث يقاطعها الأهل دون إعطاءها حقها .
جريمة حرمان المرأة من حقها الشرعي في الميراث منتشرة بشدة في صعيد مصر والمرأة لا تجرؤ على المطالبة بحقها وتكتفي بفتات النقود التي يلقيها لها إخوتها الرجال وتبقى هي مغلوب على أمرها .
د.إيمان بدران (مدرسه بأكاديمية الفنون) بطلة إحدى قصص الحرمان، وهجرتها جميع عائلتها وقاطعوها عندما طالبت بميراثها في أرض أمها ، وثار عليها إخوانها الرجال وخالاتها وخيلانها وكأنها ارتكبت جرماً فظيعاً ، تحكي د. إيمان قصتها لموقع "لهن" قائلة : توفت أمي وأنا أعمل في السعودية وعندما عودت بعد الوفاة بفترة كبيرة بدأت أبحث عن حقي الشرعي في الميراث ، ثار ضدي جميع الأقارب ولم ينصفني أبي ولا حتى إخواني الرجال ، فالسائد في عرفنا في صعيد مصر أن أرض الرجل للرجل والبنت لها "الرضوة" ( مبلغ ضئيل من المال مقابل الإرث) خوفاً من تشتت الأرض بين العائلات ودخول أحد غريب بينهم .
وتتابع : حتى خالاتي حبيباتي الأقرب لي رفضوا مطالبتي وانتقدوني وقالوا لي "أنتِ المتعلمة القدوة لبنات العائلة إن لم نكسر شوكتك ستطالب جميع البنات بميراثها وتضيع هيبتنا" ، هكذا أخذتني الصاعقة من تخاذلهم عني بعدها لم يبقَ أمامي سوى طريق المحاكم وطلب إرثي بالقانون ، ولأن خالي اضطهدني وأصبح دائم التهديد لي اضطريت إلى عمل محضر في الشرطة بعدم التعدي .
ثغرات القانون
عندما طالبت د.إيمان بحقها عن طريق القانون وقعت في بعض الثغرات القانونية التي يتمسك بها الأهل حتى يضمنوا الأرض ، وتحكي تجربتها قائلة : الثغرة القانونية التي وقعت فيها بعدما مشيت في إجراءات القضية هي عدم وجود إعلام للوراثة منذ السبعينات أي لم يقوم الأبناء بعمل إعلام وراثة بعد موت جدي حتى لا يثبتوا نصيب أمي في ميراث الأرض وهم 14 أخ ، ولكني لم أستسلم وكان ثأري أن طالبت بتحييز الأرض وبالتالي ستبقى قطعة واحدة ولن تورث لأحد دون الآخر .
قانون للأسرة
رغم أن الدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومي للمرأة أعلنت مؤخراً أن المجلس بصدد مناقشة مشروع قانون بجرم حرمان الإناث من حقهن في الميراث مؤكدة أن هذه الظاهرة التي وصفتها بـغير العادلة منتشرة ومستمرة بشكل واضح في قري ومدن الصعيد والوجه البحري، إلا أن المستشار محمود غنيم رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا وعضو المجلس القومي للمرأة، أن هذا القانون للأسرة كلها وليس موضع نقاش من أجل المرأة وحدها ، فهناك رجال أيضاً يُظلمون في الإرث .
وأوضح عضو المجلس القومي للمرأة ، إلى أن الدكتورة فرخندة أشارت في حديثها عن القانون بسجن عام لكل من يساعد في تعثر الميراث .
ويتابع رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، أن هذا القانون يعتبر نجدة إلى الأسرة جميعاً فغالباً ما تتأخر القضايا في المحاكم لمدة 15 عاماً حتى يتم فيها الحكم النهائي ، مما يشعل النيران بين الأشقاء وقد يصل الأمر إلى القتل أحياناً، لذا فإن مشروع هذا القانون يُدرس الآن في الوزارة البرلمانية برئاسة د.مفيد شهاب .
وفي النهاية يؤكد المستشار محمود غنيم أن القانون يهدف في المقام الأول إلى جمع شمل الأسرة ، وإنه إذا تم الصلح في أي مرحلة قبل صدور الحكم أو بعده يتم الصلح ويلغى الحكم بالسجن .
أزمة مجتمع
تندهش د. إقبال السمالوطي أستاذ علم الاجتماع وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، من تعليق المستشار محمود غنيم ، وتقول : كفانا النظر إلى قضايا المرأة على أنها عيب ووصمة عار، فما المانع أن يكون القانون صادراً من أجل المرأة إذا كان هناك تقصيراً في حقها الشرعي والاجتماعي، فلو نظرنا إلى الإحصاءات سنجد أن هناك فجوة واسعة بين المرأة والرجل في شتى المجالات ، الاقتصادية والاجتماعية فالمرأة في حاجة إلى دفعة قانونية واجتماعية .
وتضيف لموقع "لهنّ" : إن حرمان المرأة من ميراثها يعكس همومها وتهميشها في الدول النامية، فمازالت تتحمل المرأة أخطاء الرجال والدليل أنهم يحملونها أسباب التحرش بها حتى لو كانت محجبة أو منتقبة.
وتقول عميد معهد الخدمة الاجتماعية : إن حرمان المرأة من الميراث لن يتم حله بسن القوانين فأكم من القوانين التي لا تُطبق، فمازال الأهل ضاغطين على بناتهم بتهديدهم بقطع صلة الرحم ورأيت العديد من النساء اللواتي يخشين المطالبة بإرثهن خوفاً من مقاطعة الأهل ، والحل لن يأتِ إلا بالقانون ومعه بالتوازي استراتيجية اجتماعية وثقافية لتغيير المفاهيم ، والمفروض أن تتولى هذه الاسترتيجية جميع الاتجاهات بداية من رجال الدين في القرى فكلمتهم مسموعة أكثر من المفتي ، بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية الصغيرة في القرى، حيث يجب أن تبدأ هذه الاستراتيجية من أسفل القاعدة حتى أعلاها ، وذلك ليتم التغيير الحقيقي في المجتمع .
وأد جديد للإناث
ووصفت الدكتورة سعاد صالح (أستاذ الفقه بجامعة الأزهر والداعية الإسلامية) حرمان الإناث من الميراث بأنه بمثابة وأد جديد بلا شك، استمرارا لما كان رجال الجاهلية يفعلونه معها مما جعلها جزء من الميراث، وقالت: أنا مع أي تشريع قانوني يجرّم أفعال الجاهلية الحديثة الصادرة عمن تحركهم الأهواء الشخصية ويعتدون على حدود الله تعالى، وسوف يعاقبهم الله في الآخرة عذابا أليما لأنه سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: “ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين”، أما في الدنيا فيجوز لولي الأمر تعزيره بأشد العقوبات، ومنها السجن والغرامة وغيرهما من ألوان العقوبات التي تردعه عن تعديه على حدود الله تعالى: “ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”.
ومما يؤسف له أن مخالفة تشريعات الإسلام تتم بأيدي من يدعون أنهم من أتباعه وهم في الحقيقة يسيئون إليه بظلمهم للمرأة وحرمانها من ميراثها الشرعي الذي حدده الله لها، وهم هنا متعدون على حدود الله، ولولي الأمر تشديد العقوبة عليهم ولهذا فإن مشروع القانون الجديد تأخر كثيرا وكان من المفترض سنه لردع ذوي النفوس والأهواء المريضة الذين وصفهم الله تعالى هم ومن على شاكلتهم من الظالمين بقوله تعالى: “لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون”.