سر دخول ( لا ) في ( ألا تسجد )
قال الله عز وجل مخاطبًا إبليس اللعين في سورة الأعراف :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾(الأعراف: 12) . وقال في سورة ص :﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾(ص: 75) ، فأدخل سبحانه ( لا ) على فعل السجود في الآية الأولى ، ونزعها منه في الآية الثانية ، فما دلالة ( لا ) هذه ؟ وما سر وجودها في الآية الأولى دون الثانية ؟
أولاً- وأجاب الفراء عن ذلك بأن ( لا ) هنا ( صلة ) ، جيء بها توكيدًا للجحد الذي تضمنه قول الله عز وجل :﴿ مَا مَنَعَكَ ﴾ ؟ وزعم أن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي في أوله جحدٌ جحدًا آخر . وأجاب الأخفش ، وأبو عبيدة بأنها ( زائدة ) . وزعم ابن قتيبة أنها قد تزداد في الكلام ، والمعنى على طرحها لإباء في الكلام. أي : ما منعك أن تسجد ، فزاد في الكلام ( لا ) ؛ لأنه لم يسجد .
وكان الخليل من قبلُ قد أطلق على ( لا ) هذه مصطلح ( حشو ) . أما سيبويه فأطلق عليها مصطلح ( لغو ) ؛ ولكنها دخلت توكيدًا ، وتابعه في ذلك الزجاج . ثم جاء الزمخشري ؛ ليقول :« لا : في ﴿ ألَّا تَسْجُدَ ﴾ ، صلة ، بدليل قوله :﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ » . واستطرد قائلا :« فان قلت : ما فائدة زيادتها ؟ قلت : توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه ، وتحقيقه ؛ كأنه قيل : ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك ، إذ أمرتك ؟ » ، فخلط بين كونها صلة ، وكونها زائدة للتوكيد ، والأول قول الكوفيين ، والثاني قول البصريين ، ومآلهما واحد ، وهو الزيادة .
وقال أبو حيان في البحر :« الظاهر أن ( لا ) زائدة تفيد التوكيد والتحقيق ؛ كهي في قوله :﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ ﴾(الحديد: 29) . أي : لأن يعلم ؛ وكأنه قيل : ليتحقّق علم أهل الكتاب ، وما منعك أن تحقّق السجود وتلزمه نفسك ؛ إذ أمرتك . ويدلّ على زيادتها قوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾(ص: 75) ، وسقوطها في هذا دليل على زيادتها في ﴿ ألَّا تَسْجُدَ ﴾ ، والمعنى : أنه وبّخه وقرّعه على امتناعه من السجود ، وإن كان تعالى عالمًا بما منعه من السجود » .
وهكذا اجتمعت كلمة هؤلاء جميعًا ، وكلمة من جاء بعدهم على هذا القول الذي جعل من ( لا ) هذه صلة ، أو زائدة ، أو حشوًا ، أو لغوًا .. والكل يدور حول معنى واحد ، هو الزيادة ؛ ولكن لم يفت البصريين ، ومن تبعهم من المتأخرين والمعاصرين أن يعللوا لهذه الزيادة بأنها جاءت ؛ لتؤكد معنى الفعل ، وتحقق وجوده ؛ كما صرح بذلك الزمخشري . ومن المعاصرين الذين ذهبوا هذا المذهب الدكتور العلامة فاضل السامرائي ، وكان قد سئل في لمسات بيانية السؤال الآتي :
ما الفرق البياني بين قوله تعالى
ما منعك أن تسجد ) سورة ص ، و( ما منعك ألا تسجد ) في سورة الأعراف ، وما دلالة استخدام ( لا ) ؟
فأجاب قائلاً :« هناك قاعدة
لا ) يمكن أن تُزاد إذا أُمن اللبس ، وسُمّيت ( حرف صلة ) ، وغرضها التوكيد وليس النفي . ونلاحظ أن سياق الآيات مختلف في السورتين ؛ ففي سورة الأعراف الآيات التي سبقت هذه الآية كانت توبيخية لإبليس ، ومبنية على الشدة والغضب والمحاسبة الشديدة ، وجو السورة عمومًا فيه سجود كثير. النحويون يقولون : أن ( لا ) زائدة ، فهي لا تغيّر المعنى ؛ وإنما يُراد بها ( التوكيد ) ، ومنهم من قال : أنها ( صلة ) . وليس قولهم : أنها زائدة يعني أنه ليس منها فائدة ، إنما حذفها لن يغيّر المعنى لو حُذفت . فلو قلنا مثلاً
والله لا أفعل ) ، وقلنا
لا والله لا أفعل ) ، فالمعنى لن يتغير برغم أننا أدخلنا ( لا ) على الجملة ، لكن معناها لم يتغير .
أما في آيات القرآن الكريم فلا يمكن أن يكون في القرآن زيادة بلا فائدة ، والزيادة في ( لا ) بالذات لا تكون إلا عند من أمِن اللبس ، بمعنى : أنه لو كان هناك احتمال أن يفهم السامع النفي فلا بد من زيادتها . في قوله تعالى : ( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الحديد) معناها : ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء ، وإذا أراد الله تعالى أن يُنزل فضله على أحد لا يستطيع أحد أن يردّ هذا الفضل . فالقصد من الآية إعلامهم ، وليس عدم إعلامهم ؛ لذلك قسم من النحاة والمفسرين يقولون : أن ( لا ) زائدة ، أو( صلة ) .
وفي قوله تعالى
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) طه) هي ليست نافية ؛ ولكنها بمعنى : من منعك من اتباعي . وفي قوله تعالى
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الأعراف) الله تعالى يحاسب إبليس على عدم السجود . ولو جعلنا ( لا ) نافية يكون المعنى : أنه تعالى يحاسبه على السجود ، وهذا غير صحيح ؛ ولهذا قال تعالى في سورة ص
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) . إذن ( لا ) مزيدة للتوكيد ، جيء بها لغرض التوكيد ؛ لأن المعلوم أن يحاسبه على عدم السجود » .
ويستطرد العلامة السامرائي كعادته ، فيقول :« لكن يبقى السؤال : لماذا الاختيار بالمجيء بـ( لا ) في آية ، وحذفها في آية أخرى ؟ لو نظرنا في سياق قصة آدم في الآيتين ، في سورة الأعراف وص ، لوجدنا أن المؤكّدات في سورة الأعراف أكثر منها في سورة ص ؛ ففي الأعراف جاءت الآيات
لأقعدنّ ، لآتينهم ، لأملأن ، إنك ، وغيرها من المؤكّدات ) . وكذلك القصة في سورة الأعراف أطول منها في ص ، ثم إن مشتقات السجود في الأعراف أكثر ( 9 مرات ) . أما في ص ( 3 مرات ) ؛ ولتأكيد السجود في الأعراف جاءت ( ما منعك ألا تسجد ) .
ثم هناك أمر آخر انتبه له القدامى في السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة ، وهي أن هذه الأحرف تطبع السورة بطابعها ، فعلى سبيل المثال : سورة ق تطبع السورة بالقاف ( القرآن ، قال ، تنقص ، فوقهم ، باسقات ، قبلهم ، قوم ، حقّ ، خلق ، أقرب ، خلقنا ، قعيد ، وغيرها ) ، وسورة ص تطبع السورة بالصاد ( مناص ، اصبروا ، صيحة ، فصل ، خصمان ، وغيرها .. ) ، حتى السور التي تبدأ بـ( الر ) تطبع السورة بطابعها ، حتى أن جعفر بن الزبير أحصى ورود ( الر ) 220 مرة في السورة . وسورة الأعراف تبدأ بـ( المص ) ، وفي الآية موضع السؤال ( اللام والألف ) ، وهما أحرف ( لا ) ، فناسب ذكر ( لا ) في آية سورة الأعراف ، وناسب كذلك السياق والمقام . وعليه مثلاً من الخطأ الشائع أننا نقول : أعتذر عن الحضور ، وإنما الصحيح القول : أعتذر عن عدم الحضور » .
ثانيًا- يقول الطبري :« غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له ، وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا ، فتبين بذلك فسادُ قول من قال
لا ) في الكلام حشو ، لا معنى لها » . ويقول الرازي :« كلمة ( لا ) ههنا مفيدة ، وليست لغوًا ، وهذا هو الصحيح ؛ لأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب » ، فمن قال بزيادة كلمة من الكلمات أو أداة من الأدوات في كلام الله عز وجل ، فقد أعظم القول . وكان أبو عبيدة صاحب مجاز القرآن ، وأبو عبيد أحد كبار علماء المعتزلة يقولان بزيادة لفظ ( اسم ) من قول
باسم الله ) ، وكان المبرد يقول :« غلط أبو عبيدة ، وأخطأ أبو عبيد » ، وكان أبو علي الفارسي يتأول قول الله تعالى :﴿ وَلَدَارُ الآخِرَةِ ﴾(يوسف: 109) على معنى
ولدار الساعة الآخرة ) ، وكان ابن الطراوة يردُّ عليه قوله ، ويتهمه بسوء النظر ، وبتوجيهه لما جاء من ذلك في القرآن الكريم إلى غير وجهه الصحيح . وكان الفرَّاء يتمنى أن يضرب أبا عبيدة على تأويله ، وكان الدكتور فضل حسن عباس يتهم الفرَّاء بسوء الفهم والنظر ؛ لأنه كان يقول بزيادة بعض الحروف في القرآن ؛ كزيادة ( لا ) هنا .
ولست أدري ماذا يمكن أن يقول هؤلاء في العلامة فاضل السامرائي لو سمعوه يقول كقوله هنا :« فلو قلنا مثلاً
والله لا أفعل ) ، وقلنا
لا ، والله لا أفعل ) فالمعنى لن يتغير ، برغم أننا أدخلنا ( لا ) على الجملة ، لكن معناها لم يتغير » . أو قوله :« وسورة الأعراف تبدأ بـ( المص ) ، وفي الآية موضع السؤال ( اللام والألف ) ، وهما أحرف ( لا ) ، فناسب ذكر ( لا ) في آية سورة الأعراف » ؟
وليت المعجبين بلمسات الدكتور الكبير المبدع ، وأخص منهم الذين يقولون في هذه اللمسات : إنها ساعدتهم كثيرًا في فهم الآيات والمعاني المرادة منها فهمًا صحيحًا ، ما كان ليخطر على قلب أي قارئ عادي للقرآن ، يفسروا لنا المراد من هذه الألغاز التي ينطق بها العلامة السامرائي الذي يصفونه بأنه من الراسخين في العلم ، وليتهم يقولوا لنا : كيف لا يتغير معنى
والله لا أفعل ) ، إذا قلنا
لا ، والله لا أفعل ) ؟
ألم يعلم الدكتور العلامة أن ( لا ) هذه التي تأتي قبل القسم نافية لكلام سابق بإجماع أهل اللغة والتفسير ؟ فكيف يقول بزيادتها ، ثم يزعم أن معنى الكلام لا يتغير بوجودها وعدم وجودها ؟ ألم يقرأ قول الله تعالى :﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾(النساء: 65) ، ويطلع على أقوال المفسرين فيها ، فيعلم أن ( لا ) هذه جيء بها لنفي كلام سابق ، ثم استؤنف القسم بعدها ؟ هذا هو الطبري إمام المفسرين يقول في تفسير الآية :« يعني جل ثناؤه بقوله ﴿ فَلاَ ﴾: فليس الأمر كما يزعمون : أنهم يؤمنون بما أنزل إليك ، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت ، ويصدّون عنك إذا دعوا إليك يا محمد ! واستأنف القسم جل ذكره فقال :﴿ وَرَبِّكَ ﴾ ، يا محمد :﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ » .
ثم كيف يكون ذكر ( لا ) في قوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾ مناسبًا لمطلع السورة ( المص ) ؟ وما علاقة ( ألف ولام ) في مطلع السورة ( المص ) بـ( لام وألف ) في ( لا ) ؟ فهل من أحد من أولئك المعجبين يفك لنا سرَّ هذه اللغز ، ويبين المراد منه ، أم أن هذا من فتوح العارفين ؟ ثم هل من يبين لنا كيف يؤكَّد الفعل المثبت بإدخال أداة من أدوات النفي عليه ؟ وكيف يصح عند العقلاء أن يكون ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾ توكيدًا لـ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾ ؟ فهل يؤكَّد الإثبات بالنفي ؟ ثم هل ( لا ) هذه من أدوات التوكيد حتى يؤكَّد الكلام بها ؟ وأي توكيد مزعوم هذا الذي يزعمونه في الآية الكريمة وغيرها ؟ ولو تدبروا القرآن حق تدبُّره ، لما وجدوا فيه حشوًا ، أو لغوًا ، أو صلة ، أو زيادة ، ولو أنهم سئلوا : ما معنى كونها للتوكيد ، لأجابوا- كما قال أحمد بن يحيى المشهور بثعلب- بقولهم : لا ندري !
ثالثًا- حكى أبو حيان في البحر المحيط عن الجهم أنه قال في ( الكاف ) التي في قوله تعالى :« لا يقال : الكاف زائدة ؛ لأن جعل كلمة من القرآن عبثًا باطلاً لا يليق ، ولا يصار إليه إلا عند الضرورة الشديدة » . فهل وقوف القائلين يوجود الزيادة في كلام الله عز وجل عاجزين عن فهم كلام الله تعالى يُعَدُّ من هذه الضرورة الشديدة ، فيبيحون لأنفسهم أن يعبثوا بكلام الله عز وجل كما يحلو لهم ؟
إذا كان هناك من قال بزيادة ( لا ) في آية الأعراف :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾ ، قياسًا على آية ص :﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾ ، فهناك الكثيرون الذين أنكروا القول بهذه الزيادة ؛ فمن القدماء : الإمام الطبري ، والإمام الرازي ، ومن المعاصرين : المرحوم الشيخ عبد الرحمن تاج الدين شيخ الأزهر سابقًا ، والمرحوم الشيخ الشعراوي ، والدكتور فضل حسن عباس ، وغيرهم كثير . والمتأمل في آية ( الأعراف ) يتبين له أن ( لا ) فيها جاءت ؛ لتؤديَ معنى ليس موجودًا في آية ( ص ) ، وبيان ذلك :
أن قوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ ﴾ في آية ( ص ) هو سؤال عن المانع الذي منع إبليس اللعين من السجود ؛ ولهذا جاء بعده في النظم قوله تعالى :﴿ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾(ص: 75) ؟ أما في آية ( الأعراف ) فهو سؤاله عن الداعي الذي دعاه إلى ترك السجود ، أو الحامل الذي حمله على تركه ، والمانع من الشيء غير الداعي إلى تركه ، أو الحامل على تركه . فعلى هذا يكون معنى الآية ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ : ما دعاك إلى ترك السجود . أو ما حملك على ترك السجود ؟ وحكى الرازي عن القاضي قوله في تفسير الآية :« ذكر الله المنع ، وأراد الداعي ؛ فكأنه قال : ما دعاك إلى أن لا تسجد ؟ لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ، ويسأل عن الداعي إليها » . هذا ، وقد جاء تبكيت الله تعالى لإبليس اللعين ، حين امتنع من السجود ، في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم ، هذان موضعان منها . والموضع الثالث هو قوله تعالى :﴿ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾(الحجر: 32) ، ولكل موضع معناه الخاص به ، لا يشاركه فيه الآخر .
فقوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾(ص: 75) ؟ هو مطالبة لإبليس- لعنه الله- ببيان المانع الذي منعه من السجود . فلما لم يجد المانع الذي منعه من السجود ، طولب أن يبين الدافع الذي تولد في نفسه ، وحمله على ترك السجود ، فقال سبحانه وتعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾(الأعراف: 12) ؟ فلما اضطرب ، وتلجلج في الكشف عن هذا الذي ضل عنه ، وهو يحاول الإمساك به ، لم يجد إلا أن يقول في يأس :﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾(الأعراف: 12) . فلما شوهد على هذه الحالة ، قال الله تعالى له :﴿ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾(الحجر: 32) . أي : أي شيء لك في ترك السجود مع الساجدين ؟ وهكذا يؤخذ إبليس بمخانقه ، ويُسقَط في يده ، فينهار ويهوي ، ثم يتخبط في هذا الهذيان المحموم ، وقد عرف ألا نجاة له ، وأنه من الهالكين لا محالة .. ومثل ذلك قول موسى-عليه السلام- لأخيه هارون :﴿ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ ﴾(طه:92-93) . أي : ما حملك على أن لا تتبعني . أو ما دعاك إلى ترك اتباعي .
وبهذا الذي ذكرناه يتبين لكل عاقل منصف أن كل ما قيل في ( لا ) هذه ، إنما هو مجرد كلام ، لا فائدة فيه ، ولا جدوى منه ؛ لأنه لا يفسر أسلوبًا ، ولا يوضح معنى ، إضافة إلى ما فيه من تكلف وتمحل قد وصل ببعضهم إلى حد الهذيان ، ولم يعلموا أن الحكم على كلمة من كتاب الله تعالى بالزيادة إنما هو حكم ظالم جائر ، وهو مما يجفوه حِسُّ العربية المُرْهَف ، ولا يُلطِّف من هذه الجفوة أبدًا تعليلهم لهذه الزيادة بأن الغرض منها التوكيد ؛ لأنه مجرد ادعاء لا دليل عليه ، وتبرير لا يغني من الحق شيئًا .. أقول قولي هذا وأستغفر الله ، وأعوذ به من جهل الجاهلين ، والحمد لله رب العالمين !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك