الفرق بين النصيب والكفل
قال الله عز وجل :﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً ﴾( النساء: 85 ) ، فاستعمل سبحانه لفظ ( النصيب ) مع الشفاعة الحسنة ، واستعمل لفظ ( الكفل ) مع الشفاعة السيئة ، فدل على أن بينهما فرقًا في المعنى . فما المراد بكل من الشفاعة الحسنة ، والشفاعة السيئة ؟ وما الفرق بين النصيب ، والكفل ؟ وفي الإجابة عن ذلك نقول بعون الله وتعليمه :
أولاً- يذهب أكثر المفسرين واللغويين إلى القول بأن ( النَّصيبَ ) ، و( الكِفْلُ ) بمعنى واحد ، وهو الحظ الوافر ، أو المِثْل المكافىء ، إلا أن الثاني أكثر ما يستعمل في الشر ؛ كاستعماله- هنا- في الشفاعة السيئة . وإلى هذا القول ذهب أبو حيَّان في البحر المحيط ، فقال بعد أن ذكر أقوال من تقدمه في المراد من الشفاعة ، وفي معنى النصيب والكفل :« وغاير في ( النصيب ) ، فذكره بلفظ ( الكفل ) في الشفاعة السيئة ؛ لأنه أكثر ما يستعمل في الشر » .
ومن قبله عرَّف الرازي الشفاعة بأنها مأخوذة من الشفع ، وهو أن يصير الإنسان نفسه شفعًا لصاحب الحاجة ، حتى يجتمع معه على المسألة فيها ، ثم قال :« فان قيل : لم قال في الشفاعة الحسنة
يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا ) ، وقال في الشفاعة السيئة
يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا ) ، وهل لاختلاف هذين اللفظين فائدة ؟ قلنا
الكفل ) اسم لـ( النصيب ) الذي عليه يكون اعتماد الناس . وإنما يقال : كفل البعير ؛ لأنك حميت ظهر البعير بذلك الكساء عن الآفة ، وحمى الراكب بدنه بذلك الكساء عن ارتماس ظهر البعير فيتأذى به ، ويقال للضامن : كفيل . وقال عليه الصلاة والسلام :« أنا وكافل اليتيم كهاتين » ، فثبت أن ( الكفل ) هو ( النصيب ) الذي عليه يعتمد الإنسان في تحصيل المصالح لنفسه ودفع المفاسد عن نفسه . إذا ثبت هذا فنقول
وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا ) . أي : يحصل له منها نصيب ، يكون ذلك النصيب ذخيرة له في معاشه ومعاده ، والمقصود حصول ضد ذلك .. والغرض منه التنبيه على أن الشفاعة المؤدية إلى سقوط الحق وقوة الباطل تكون عظيمة العقاب عند الله تعالى » .
وعرَّف الألوسي الشفاعة بأنها « التوسط بالقول في وصول الشخص ، ولو كان أعلى قدرًا من الشفيع ، إلى منفعة من المنافع الدنيوية أو الأخروية ، أو خلاصه عن مضرة مّا كذلك ، من الشَّفْع ضد الوتر ؛ كأن المشفوع له كان وترًا ، فجعله الشفيع شفعًا ، ومنه الشفيع في الملك ؛ لأنه يضم ملك غيره إلى نفسه ، أو يضم نفسه إلى من يشتريه ويطلبه منه » . وبعد أن فسر الألوسي ( النصيب ) بالحظ الوافر ، و( الكفل ) بالنصيب من الوزر ، قال :« فالتعبير بالنصيب في الشفاعة الحسنة ، وبالكفل في الشفاعة السيئة للتفنن » . وأضاف قائلاً :« وفرَّق بينهما بعض المحققين بأن النصيب يشمل الزيادة ، والكفل هو المثل المساوي ، فاختيار النصيب أولاً ؛ لأن جزاء الحسنة يضاعف ، والكفل ثانيًا ؛ لأن ( من جاء بالسيئة لا يجزى إلا مثلها ) ، ففي الآية إشارة إلى لطف الله تعالى بعباده » .
وسئل الدكتور فاضل السامرائي في ( لمسات بيانية ) : لم قال عن الشفاعة الحسنة
يكن له نصيب منها ) ، وعن الشفاعة السيئة
يكن له كفل منها ) ؟ فأجاب بقوله :« من معاني ( الكِفل ) في اللغة : النصيب المساوي ، المثل . والكفيل يضمن بقدر ما كفل ليس أكثر . أما ( النصيب ) فمطلق غير محدد بشيء معين ؛ لذلك قال الله عز وجل عن السيئة
يكن له كفل منها ) ؛ لأن السيئة تجازى بقدرها ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ﴾(غافر: 40) . أما الحَسَنة فتضاعف ؛ كما قال تعالى :﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾(الأنعام: 160) . وقال عز وجل :﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾(القصص: 84) . فقال عن حامل السيئة أن له الكفل . أي : المثل . أما صاحب الشفاعة الحسنة فله نصيب منها ، والنصيب لا تشترط فيه المماثلة ، وهذا من عظيم فضل الله عز وجل » .
ثانيًا- ومن تأمل الأقوال السابقة ، وجد أن بعضها عالة على بعض ، وأوضح ما يكون ذلك في قول الدكتور فاضل السامرائي ، فإنه تكرار لما حكاه الألوسي عن بعض المحققين ، مع اختلاف في بعض الألفاظ ، وهو قول فاسد ، وبيان فساده من وجهين :
أحدهما : أنه مبنيٌّ على اعتبار أن ( مِنْ ) في قوله تعالى :﴿ يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا ﴾ ، وقوله :﴿ يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مّنْهَا ﴾ للسبب . وعليه يكون تقدير الآية
من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب بسببها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل بسببها ) . أي : يكن لكل منهما ذلك بسبب شفاعته . وهذا خلاف ما نصَّت عليه الآية الكريمة من المعنى تمامًا ؛ لأن ( مِنْ ) في قوله تعالى :﴿ مِنْهَا ﴾ ، في الموضعين ، ليست للسبب ؛ وإنما هي للتبعيض ، وأن المراد من الآية الكريمة
أن للشفيع الذي يشفع في الشفاعة الحسنة نصيبًا من جزاء المشَفَّع على شفاعته ، وأن للشفيع الذي يشفع في الشفاعة السيِّئة كِفْلاً من جزاء المشَفَّع على شفاعته ) ، وفرق كبير بين هذا ، وذاك .
والثاني : أنه مبنيٌّ على اعتبار أن جزاء ( الشفاعة الحسنة ) كـ( جزاء عمل الحسنة ) ، و( جزاء الشفاعة السيئة ) كـ( جزاء عمل السيئة ) ، قياسًا على قوله تعالى :﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾(الأنعام: 160) . وهذا قياس فاسد أيضًا ؛ لأنه يسوِّي بين جزاء عمل الحسنة ، وجزاء الشفاعة الحسنة ، وبين جزاء عمل السيِّئة ، وجزاء الشفاعة السيِّئة ، وهذا ما قادهم إلى تأويل الآية تأويلا جانبوا فيه الصواب ؛ إذ عكسوا المعنى المراد منها تمامًا ، فزعموا أن جزاء الشفاعة الحسنة مضاعف كجزاء عمل الحسنة ، وأن جزاء الشفاعة السيئة مماثل لجزاء عمل السيئة ، والعكس هو الصحيح ، ويبدو لك فساد ذلك الجواب من خلال المقارنة بين الآيتين هكذا :
﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ﴾ ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِــهَا ﴾
﴿ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْـهَا ﴾ ﴿ وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾
فمن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب من جزائها ، ومن يفعل الحسنة فله عشر أمثال جزائها . ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل من جزائها ، ومن يفعل السيئة ، فلا يجزى إلا بمثل جزائها . ولا أظن أن هذه المقارنة بين الآيتين تحتاج إلى مزيد من الشرح والإيضاح ؛ ليتضح الفرق بينهما ؛ فهي أوضح من أن يعقَّب عليها بشرح يبين ما بين الآيتين من مفارقة كبيرة ، ومع ذلك نقول :
إذا شفع زيد لعمرو عند الحاكم شفاعة حسنة ، كان للحاكم جزاء عند الله تعالى لقاء قبوله الشفاعة ، وكان لزيد نصيب من هذا الجزاء ، وهذا النصيب هو جزء من كل .. وإذا شفع زيد لعمرو عند الحاكم شفاعة سيئة ، كان للحاكم جزاء عند الله تعالى على قبوله الشفاعة ، وكان لزيد كفل من هذا الجزاء ، وهذا الكفل هو جزء من كل . فإذا جاء زيد بالحسنة ، كان له جزاء عند الله تعالى على حسنته مقدَّر بعشر أمثال الحسنة التي جاء بها . وإذا جاء بالسيئة ، كان له جزاء عند الله تعالى على سيئته مقدَّر بمثل السيئة التي جاء بها .
فلو كان ( النَّصيبُ ) مطلقًا غيرَ محدد بشيء معين ، أو مقدَّرًا بعشرة الأمثال ، لكان جزاء الشفيع أكبر من جزاء المشفَّع عنده ؛ كما كان جزاء فاعل الحسنة ، وهذا خلاف المراد . ولو كان هذا صحيحًا ، لوجب أن يكون نظم الآية هكذا
من يشفع شفاعة حسنة ، يكن له عشرة أمثالها ) .
ولو كان ( الكفل ) مقدَّرًا بالمثل ، لكان جزاء الشفيع مماثل لجزاء المشفَّع عنده ؛ كما كان جزاء فاعل السيئة ، وهذا خلاف المراد أيضًا . ولو كان صحيحًا ، لوجب أن يكون نظم الآية هكذا
ومن يشفع شفاعة سيئة ، يكن له مثل جزائها ) . وهذا مما لا ينبغي لعاقل أن يقوله . وإن كان هذا قد خفي عن القدماء ، فلا ينبغي أن يخفى ، مع وضوحه ، عن عالم يصفه مريدوه بأنه عالم كبير ومبدع لا حدود لإبداعه ، وأن الله تعالى فتح له من خزائن علمه فتوح العارفين .
ثالثًا- ونعود بعد هذا إلى آية الشفاعة ففيها يوجد
المُشَفَّعٌ ) وهو صاحب الشفاعة ، و( المُشَفَّعٌ له ) وهو طالب الشفاعة ، و( الشَفيعٌ ) وهو الذي يقوم بالشفاعة بينهما ، وهذا ما لم يوجد في آية ( الحسنة والسيئة ) . والشفاعةُ نوعان : حسنة ، وسيئة . فالشفاعة الحسنة هي التي يُراعَى بها حق المسلم ، فيُدفَع بها عنه شر ، أو يُجلَب بها إليه خير ابتغاء مرضاة الله تعالى . والشفاعة السيئة هي التي تكون في معصية الله ابتغاء لجاه أو عرض من أعراض الدنيا ، وأعظمُها جُرْمًا ما كان منها في حَدٍّ من حدود الله تعالى .
وقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله :« من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى ، فقد ضادَّ الله تعالى في ملكه . ومن أعان على خصومة بغير علم ، كان في سخط الله تعالى حتى ينزع » . ويستثنى من ذلك الحدود في القصاص ، فالشفاعة في إسقاطه إلى الديَّة غير محرمة . وروى أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« مَنْ شَفَعَ لأحَدٍ شَفَاعَةً فأهدى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا ، فَقَدْ أتى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا » . وروت عائشة- رضي الله عنها- في الحديث الصحيح : أن قريشًا أَهمَّهم شأن المرأة المخزوميَّةِ التي سرقت ، فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ؟ فقالوا : ومن يجْتَرِئُ إلا أسامةُ بنُ زيدٍ حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ وَأََيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » .
فإذا كانت الشفاعة في حق ، كان لصاحبها من أجرها الذي يستحقه المُشفَّع أجرٌ حسنٌ ؛ وهذا ما عَبَّر عنه تعالى بلفظ ( النَّصيب ) ، ومعناه : الحظ الجيد المُعيَّن من الشيء . تقول : هذا نصيبي . أي : حظي . قال تعالى :﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾(النساء: 7) ، ثم قال :﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ﴾(النساء: 11) ، فبين أن ( النصيب المفروض ) هو ( الحظ المعين ) قلَّ ، أو كثُر . ومثل ذلك قول إبليس اللعين :﴿ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾(النساء: 118) . أي : نصيبًا معلومًا ، ومقطوعًا به . واشتقاق ( النَّصيب ) من ( النَّصْب ) ، بإسكان الصاد ، وهو إقامةُ الشيء في استواء وإهْداف ، ووضعُه موضعًا ناتئًا ؛ كنصْب الرمح والحجر ونحوهما في الأرض . والنَّصْبُ ، والنَّصيبُ : حجرٌ كان ينصَب في الأرض ، فيعبُده العرب في الجاهلية .
وإذا كانت الشفاعة في باطل ، كان لصاحبها من أجرها الذي يستحقه المُشفَّع أجرٌ رديء . وهذا ما عَبَّر عنه تعالى بلفظ ( الكِفْل ) ، وهو من الأجر والإثْم : الضِّعْفُ ، في أصح الأقوال ، وأصلُه : مركَبٌ يُهَيَّأ على ظهر البعير ، أو كِساءٌ يدار حول سنامه ، وأكثر ما يستعمل في الشرِّ ؛ ومنه ما جاء في الصحيحين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ » . وقد يستعمل في الخير ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾( الحديد: 28 ) ، والكِفْلُ من الشيء هو الضِّعْفُ منه .
ولهذا كانت الشفاعة السيئة عظيمة عند الله تعالى ، وكان جزاؤها عظيمًا يتناسب مع المعنى الذي يؤدِّيه لفظ ( الكِفْل ) ؛ لما فيها من إسقاط للحقوق وهتك للأعراض والأموال ، وليس كذلك ( عمل السيئة ) التي تُجزَى بمثلها . وكذلك كان جزاء الشفاعة الحسنة المؤدِّية إلى إحقاق الحقوق وحفظ الأعراض والأموال يتناسب مع المعنى الذي يؤدِّيه لفظ ( النَّصيب ) ، وليس كذلك ( عمل الحسنة ) التي تجزى بعشرة أمثالها . فإذا عرفت ذلك ، تبين لك سِِرُّ البيان في اختيار لفظ ( النَّصيب ) بجانب الشفاعة الحسنة ، واختيار لفظ ( الكِفْل ) بجانب الشفاعة السيئة ، ترغيبًا في الأولى ، وترهيبًا وتنفيرًا من الثانية .
ومما ينبغي أن يعلَم أيضًا أن الحديث عن ( الشفاعة ) بنوعيها يخص قومًا بعينهم ، وأن أصحاب الشفاعة السيئة أكثر من أصحاب الشفاعة الحسنة ، وأن وجودهم في المجتمع من أخطر الآفات التي تهدد سلامته ؛ ولهذا كان جزاؤهم مضاعفًا . أما الحديث عن ( فعل الحسنة ) ، و( فعل السيئة ) فهو حديث عام ، يعمٌّ أفراد المجتمع كلهم . ومن لطف الله تعالى بعباده أن جعل جزاء السيئة سيئة مثلها ، ومن منِّه وكرمه سبحانه أن جعل جزاء الحسنة بعشرة أمثالها ، ويزيد من فضله لمن يشاء . ومن هنا لا يجوز قياس الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة على فعل الحسنة وفعل السيئة .
وشيء آخر ينبغي أن يعلم ، وهو أنه لما كان الجزاء بـ( النصيب ) ، و( الكفل ) من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله جل وعلا ، ختم سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله :﴿ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً ﴾ ، فبين سبحانه أنه كان ، وما زال ، ولا يزال شاهدًا وحفيظًا وحسيبًا على هذه الأعمال ، ومجازيًا على كل عمل بما يناسبه .
والمُقيت من أسماء الله تعالى ، وفسّره الغزالي بمعنى : موصل الأقوات ، فيؤول إلى معنى : الرازق ، إلا أنه أخص . وبمعنى : المستولي على الشيء ، القادر عليه ، فيكون راجعًا إلى القدرة والعلم . والظاهر أنه جامع للمعاني السابقة كلها . نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول ، فيتبعون أحسنه ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، إنه خير مسئول .
بقلم : محمد إسماعيل عتوك