الجواب
الحقيقة أنه لا سعيد إلا من أسعده الله، وإذا أراد الله أن يسعد الزوج بزواجه والزوجة بزواجها رزقهما الدعاء قبل الزواج، وقبل أن يتحمل المسئولية ويبتلى بالأمانة يلهج بالدعاء، ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك له في زوجته وأهله وأن يصلح بعله، ولذلك قال الله عز وجل عن نبيه زكريا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه} [الأنبياء:90] فالذي أصلح لزكريا وأصلح لمن قبله يصلح لك زوجك، فأعظم أسباب السعادة: كثرة الدعاء.
الأمر الثاني: حسن النية في الزواج، ألا يتزوج الإنسان لشهوته، ولكن يتزوج لكي يعف نفسه عن الحرام ويبتعد عن الفواحش والآثام، ويأخذ بينه وبين الله أن يبارك له في هذه الزوجة فيغض بصره عما حرم الله، ويحصن فرجه عما نهاه الله عز وجل عنه، وإذا حسنت نيته بارك الله له فيه؛ لأنه يكون له عبادة طاعةً.
ومما يعين على السعادة الزوجية: الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تألفه ومودته ومحبته لزوجه وتواضعه وإخلاصه وجميع شمائله.
كان صلى الله عليه وسلم خير زوجٍ لزوجه، يقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) فشهد -وهو الصادق- صلى الله عليه وسلم أنه خير الناس لأهله وزوجه.
كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل البيت لا يدخل وفي قلبه على أهله شيء، حتى كانت أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها تقول: (كان إذا دخل لا يدخل من وجه الباب).
وكان إذا دخل عليه الصلاة والسلام ابتدأ بالسواك حتى لا تشم منه إلا رائحة طيبة؛ لأنه طيب قد طيبه ربه، فكان يتفقد المشاعر والأحاسيس.
كان إذا خرج عليه الصلاة والسلام إلى الأمة وقف على منبره فأخشع القلوب لربها، وقاد جحافل الإيمان لنصرة القرآن والدين صلوات الله وسلامه عليه، فكانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وإذا دخل إلى بيت الزوجية دخل أكرم بعل وأكرم زوج على أهله صلوات الله وسلامه عليه، دخل بشيءٍ من الألفة والمحبة، لا يدخل وهو يشعرهم أنه عظيم وكبير، وإذا هو بذلك وتلك الألفة يرسم النموذج العالي للزوج، فالحياة الزوجية تحتاج إلى شيءٍ من الحذر وإلى شيء من التوقي وتلمس المشاعر، وقد كان صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة رضي الله عنها ويقول: (يا عائش!) يرخم مع النداء حتى إذا نادى لها رضي الله عنها وأرضاها.
وما عاب طعاماً بين يديه قط صلوات الله وسلامه عليه، ولا سب ولا شتم امرأة، بل ولم يسئ إلى أحدٍ بلسانه صلوات الله وسلامه عليه، إن وجد خيراً حمد الله ورد الجميل بأجمل منه، وإن وجد غير ذلك شكر وصبر وذكر الله جل جلاله.
يأتي إلى أم المؤمنين ويقول لها: (هل عندكم طعام؟ قالت: لا والله، قال: إني إذاً صائم) ولو أن رجلاً منا نادى وقال: هل عندكم طعام؟ فقالت امرأته: لا ما عندنا طعام، لأقام الدنيا وأقعدها فضيق الله عليه، وأساء فرأى عاقبة السوء فما سميت السيئة سيئة إلا لأنها تسيء إلى صاحبها، وإذا جرحت مشاعر الأهل بالسيئة ساءتك السيئة التي خرجت من لسانك.
كان يحذر صلوات الله وسلامه عليه في كلامه وخطابه وندائه، وإذا وضعت عائشة رضي الله عنها الطعام والشراب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه- إذا به يقسم عليها أن تشرب قبله صلى الله عليه وسلم، فتشرب قبل نبي الأمة وأحب الخلق إلى الله صلى الله عليه وسلم.
إن كريم الأصل من طاب وطابت شمائله وآدابه، الرجال العظماء والفضلاء لا يرتفعون إلا بالتواضع فالزوج إذا دخل إلى بيت الزوجية وهو يرى نفسه أنه فوق المرأة والمهيمن والمسيطر فإن هذا ينعكس على مشاعره وأحاسيسه، يدخل كما دخل نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، ويعاشر كما كان يعاشر صلوات الله وسلامه عليه، فإذا جاءت المناسبات والأفراح أدخل السرور على أهله وعلى زوجه.
ففي الصحيحين: لما قام الأحباش يلعبون يوم العيد في المسجد، سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله أن تنظر إليهم فما كسر خاطرها صلى الله عليه وسلم وما قال لها: أقف لك وأنا نبي الأمة حتى تنظري؟ بل قام صلى الله عليه وسلم ونعم القيام قيامه، فوقف ووقفت أم المؤمنين تنظر إليهم وهم يلعبون من وراء ظهره صلوات الله وسلامه عليه، فيقول: (هل فرغت؟ تقول: لا بعد، فيقول: هل فرغت؟ تقول: لا بعد) فانظر إلى طيب وقوفه! وانظر إلى إصرارها وطول وقوفها موقفها رضي الله عنها وأرضاها! تعلم رحمته وشفقته، تقول له: لا بعد، لا بعد، تجملت من الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعمره صلوات الله عليه في الستينات وهي صبية، وتقول: اقدروا قدر الصبية الجهلاء.
الواحد منا يريد من زوجته أن تكون موطأة الكنف كثيرة الإحسان والتبعل لزوجها، ولكن لا ننظر ما الذي قدمناه لزوجاتنا، وبمجرد أن يفكر الواحد منا في حسن العشرة جاءه الشيطان من شياطين الإنس أو الجن، فأقام له الدنيا وأقعدها، وقال له: إن أحسنت إلى زوجتك فإنها تؤذيك في مستقبلك، إنك إن تواضعت لها ركبتك، وإن تذللت لها أهانتك، فلا يزال القلب يمتلئ بسوء الظن في الأهل حتى لا يستطيع الإنسان أن يتواضع لأهله، نسأل الله السلامة.
ومن الناس من يدخل بيته يدخل بيته وهو دائم الأذية شديد الصراخ كثير الكلام، حتى إنك لتعجب والله من الرجل منا إذا جلس مع الناس تبسم وتهلهل وجهه وتحبب إلى الناس، ولربما جاءه رجل فأساء إليه فيسعه بحلمه ويبدي له الصبر، ولكن ما إن يدخل إلى بيته -نسأل الله السلامة والعافية- إلا كشر عن أنيابه وغير وجهه فأضر وآذى أهله، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أولئك من خيراكم) أي: الذين يضربون نساءهم، فخيار الأمة خيارهم للأهل.
ما الذي نريد؟ نريد هدي النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الهدي الكريم الذي جمعه الله في آيةٍ واحدة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فالكلمة الطيبة تلمس المشاعر والأحاسيس.
ومما يوصى به لاستقامة بيت الزوجية وسعادته: أنك تتذكر دائماً أنك لست الأولى بالفضل، وهذه من الحكم المعروفة المأثورة وهي: أن الرجل الكريم لا تطيب شمائله إلا إذا تواضع للناس ألا تستوجب على الناس شيئاً، ولذلك أي إنسان أعطاه الله نعمة وأحس أن له فضلاً على الناس؛ تعالى على الناس وأهانهم وأذلهم وظلمهم حقوقهم، نسأل الله السلامة والعافية، لقد كان بعض العلماء يقول: إذا حضرت المسجد فرأيت الناس قد اجتمعوا قلت: فضل عليَّ لهم أنهم جاءوا، فلا يرى أنه ذاك العالم الذي جاء الناس لعلمه.
وللرجل القوامة على المرأة كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] ولكن هناك آداب وشمائل زين الله بها أهل التقوى، فإذا لم نكن طيبين بأخلاقنا وشمائلنا لأهلنا فلمن نكون؟!! وإذا لم تكن بيوتنا مبنية على المحبة والألفة فأين تكون الألفة والمحبة؟!! ومهما بدرت من زوجتك إساءة فاصبر عليها، وانظر لنفسك بعين النقص، فلا تحس أن لك كمالاً على الناس، فإذا دخلت البيت ووجدتها قد طبخت طعاماً، قلت لها: جزاك الله كل خير، وقلت الكلمة الطيبة: بارك الله فيك، أحسن الله إليك، هذه الدعوات الصالحة تجد أثرها وخيرها عليك في بيتك (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)، فاحمد الله أنك وجدت امرأةً تطبخ لك، وكم من امرأةٍ تمردت على زوجها بسبب سوء أخلاقه، وإذا رأيتها غسلت ثوبك أو أحسنت إليك أو جاءتك بالشيء، قلت لها: جزاك الله كل خير فتثني عليها أمام أولادها، حتى يجلونها وتقابلك هي بالإجلال، فإذا بأولادك يحبونك ويحبونها، ويكرمونك ويكرمونها، وإذا بالبيت تنتشر فيه الرحمة، وينتشر بين أهله الحب والود الذي ينبغي أن تقوم عليه بيوت المسلمين، وأما إذا أصبح الرجل يرى أنه ذلك المستحق للاحترام، وأن أقلّ خطأ من المرأة لا يغفر، وأنه إذا زلت بلسانها قام فسبها وشتمها وربما أمام أولادها.
من أعظم العيب وأقبحه أن تكون المرأة بنت خمسين أو ستين سنة وإذا بزوجها يكفكفها أمام أولادها! من أقبح العيب والله أن يكسر خاطرها ويهين كرامتها أمام أولادها! وهذا والله ليس من العشرة بالمعروف.
راقب أفعالك وتصرفاتك، فالسعادة تحتاج منك إلى ثمنٍ كبير، وإلى تضحية، كان الصالحون يتأذون من زوجاتهم، ويضطهدون فلا يسمع منهم إلا الخير، وقيل: إن زكريا عليه السلام كانت امرأته تشتمه وتهينه، ومع ذلك كان صابراً، فالمرأة ابتلاء من الله، ولربما يبتليها الله بك حتى بالاحتقار.
كان هناك عالم من علماء المدينة، قال لزوجته ذات يوم -وقد كانت تهينه- تعالي إلى المسجد وانظري فجاءته إلى المسجد ونظرت وإذا بالأمة قد أصغت إليه، فالمرأة لأنها تنظر إلى زوجها بعينٍ ناقصة تهين زوجها، فالمقصود: أنه لا بد من الصبر، ومن التحمل واحتساب الأجر، يبتليك الله بزوجتك لدرجةٍ في الجنة لا تبلغها بكثرة صلاة ولا صيام.
عندما تدخل إلى البيت فإن سمعت خيراً قلت: الحمد الله الذي رزقني زوجة تخاف الله، وإذا رأيتها غير ذلك، قلت: اللهم لا حول ولا قوة إلا بك، اللهم اهدها، اللهم أصلحها.
يقولون عن رجلٍ من العلماء: أنه دخل عليه أحد طلابه، فوجد عنده ابناً باراً عجب من بره، فقال له: أتعجب من بره؟ والله لقد عشت مع أمه عشرين أو ثلاثين عاماً ما تبسمت في وجهي قط، فصبرت فعوضني الله ما ترى.
الذي يريد السعادة يدخل إلى بيته بقلبٍ واحد، ما رأى من خيرٍ شكره، ويشعر أهله بأنه زوج كريم، فعندما تضع زوجتك الطعام فتشكرها، فيسمعك أولادك فيعتادون شكر الناس على الإحسان، وإذا رأوك كريماً مع زوجتك تعلموا كيف يعيشون مع الناس كراماً؛ لأن البيت مدرسة، وعلينا أن نتقي الله في أفعالنا وأقوالنا وخاصةً أمام الأبناء والبنات.
فالسعادة الزوجية لا تكون ولن تكون إلا إذا عرف المسلم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطبقه وسار على نهجه واحتسب الأجر عند الله عز وجل
================
اللهم إنا نسألك أن تنزل السعادة على قلوب المسلمبن وبيوتهم يا رب العالمينمشاهدة المزيد