بسم الله الرحمن الرحيم
متى نزلت آية الحجاب ؟
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
الجواب كالتالي والله الموفق ..
الراجح و الله أعلم أن نزول آيات الحجاب في سورة الأحزاب
{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ..الآية }
[ الأحزاب/59 ] كان قبل نزول آيات سورة النور
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ..الآية} [النور/31] ، حيث
ابتدأ تشريعه بسورة الأحزاب ، و انتهى بسورة النور ، ولا خلاف
في أن سورة الأحزاب نزلت عند غزوة الأحزاب ، فإن كانت غزوة
الأحزاب قبل غزوة بني المصطلق ، فمعناه أن أحكام الحجاب في
الإسلام بدأت بالتعليمات التي وردت في سورة الأحزاب و تممت
بالأحكام التي وردت في سورة النور .
إشكال و الجواب عنه ..
يقول ابن سعد إن غزوة بني المصطلق وقعت في شعبان في
سنة خمس ، و وقعت بعدها غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق في
ذي القعدة من السنة نفسها . الطبقات ( 2/63- 65 ) .
و أكبر شهادة تؤيد ابن سعد في هذا البيان أن الطرق المروية
عن عائشة بشأن قصة الإفك قد جاء في بعضها ذكر المجادلة بين
سعد بن عبادة و سعد بن معاذ .
و يقول ابن إسحاق في الجانب الآخر : إن غزوة الأحزاب وقعت في
شوال من سنة خمس ، و غزوة بني المصطلق في شعبان من
سنة ست . سيرة ابن هشام ( 3/ 165 ) .
و يؤيد ابن إسحاق في هذا البيان ما ورد عن عائشة و غيرها من
الروايات المعتمد بها و هي أكثر قوة و كثرة ، و تدل هذه الروايات
على أن أحكام الحجاب كانت قد نزلت قبل قصة الإفك ، أي في
سورة الأحزاب ، و توضح الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان قد تزوج بزينب بنت جحش رضي الله عنها قبل ذلك في ذي
القعدة من سنة خمس ، و جاء ذكره في سورة الأحزاب ، كما تفيد
هذه الروايات أن حمنة أخت زينب بنت جحش قد شاركت في رمي
عائشة رضي الله عنها ، لأنها ضرة أختها ، و الظاهر أنه لابد من أن
تمضي مدة من الزمن و لو يسيرة على صلة الضرارة بين امرأتين
حتى تنشأ في القلوب مثل هذه النزاعات ، فهذه الأمور كلها مما
يؤيد رواية ابن إسحاق و يقويها .
و ما هناك شيء يمنعنا قبول رواية ابن إسحاق إلا مجيء ذكر
سعد بن معاذ في زمن الإفك ، و كان سعد بن معاذ – كما تفيد
جميع الروايات المعتمد بها – ممن قتل في غزوة بني قريظة التي
تلت غزوة الأحزاب ، فمن المستحيل أن يكون سعد بن معاذ حياً
سنة ست .
إلا أن هذه المشكلة تزول بأن الروايات المروية عن عائشة جاء
في بعضها ذكر سعد بن معاذ ، و في بعضها الآخر ذكر أسيد بن
حضير مكان سعد ، و الرواية الأخيرة تتفق تمام الاتفاق مع
الحوادث المروية عن عائشة في شأن قصة الإفك ، و إلا فلو
سلمنا أن تكون غزوة بني المصطلق و قصة الإفك وقعتا قبل
غزوة الأحزاب و غزوة بني قريظة لمجرد أن نجعلهما تتفقان مع
حياة سعد بن معاذ في زمن الإفك ، لاستحال علينا أن نجد حلاً
لمشكلة عظيمة أخرى : و هي أنه من اللازم إذن أن تكون آية
الحجاب و نكاح زينب قد وقعتا قبل غزوة بني المصطلق و قصة
الإفك ، مع أن القرآن والروايات الصحيحة تشهد بأن نكاح زينب
والآية التي فيها حكم الحجاب من الحوادث الواقعة بعد غزوة
الأحزاب و غزوة بني قريظة ، فبناءً على ذلك قطع ابن حزم في
جوامع السيرة ( ص 147) و ابن القيم في زاد المعاد ( 3 /269) ،
و غيرهما من العلماء المحققين بصحة رواية ابن إسحاق ، و
رجحوها على رواية ابن سعد ، و ما ذهب إليه هؤلاء الأعلام من
أن نزول آيات الحجاب في سورة الأحزاب كان قبل قصة الإفك و قبل
آيات الحجاب في سورة النور ، و هو الأظهر ، و الله أعلم .