كأني بمسجد ينادي ويشتكي إلى الله قائلا::
يا رب لماذا لا تفتح أبوابي، وأنا أحب البقاع إلى الله، إلا لدقائق معدودة ؟ لماذا يحرم من تعلقت قلوبهم بي، وهم قليل، من الجلوس في أحضاني إلا للحظات مشهودة؟
.. اللهم إني أرفع إليك هذه المضرة والمعرة، وأشكو لك من ظلمني وظلم أحبابي، ومنعني ومنعهم من فضل ونعمة ذكر اسمك.
{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [ البقرة : 113 ]
يا رب إن بعض جيراني لا تفصلهم عني إلا خطوات، ومع ذلك لا أعرفهم ولا يعرفونني. أما يعلمون أن كثرة التردد علي تكسبهم شهادة الإيمان، وتلبسهم لباس الخشية، وتجعلهم في زمرة المهتدين... لقولك يا رب:
{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ،إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } .
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ) . أما علموا أن رجولتهم الإيمانية لا تكتمل إلا بذكر الله بين أسواري.
لقولك يا رب: { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب } [ سورة النور : 36 ]
بعض الناس يا رب تخلفوا عني بالمرة دون أدنى شعور بالتقصير، متعللين بطول المسافة و بعد الشقة. ألم يعلموا أن من السلف الصالح من كان يفضل السكن بعيدا عن المسجد لا ليتخلف ولكن ليكثر أجره. عجيب والله أمر المتخلفين عن رحابي المتكبرين الرافضين لولوج أبوابي،
ألم يسمعوا هذه الأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: * "صلاة الرجل مع الجماعة تضعف على صلاته ببيته وفي سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لا يُخرجه إلاّ الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة" رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. -
"من توضّأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامداً إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة، وأنه يُكتب له بإحدى خُطوتيه حسنة ويُمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسرع فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً" قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطى. رواه الإمام مالك في الموطأ. -
"ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط" رواه مالك ومسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه. يا رب بعض عبادك من الذين أعرفهم ويعرفونني يتخلفون عني في صلاتي الصبح والعشاء. ألم يسمعوا ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
[بشّر المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة] رواه أبو داود والترمذي عن بريدة رضي الله عنه. ويحزنني أكثر يا رب، وأنا من أحب البقاع إليك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من جلس في أحضاني ينتظر الصلاة بعد الصلاة يعد مرابطا في سبيل الله، ويكتب له اجر المصلي مادام ينتظر الصلاة...
يحزنني أكثر أن صنفا من الناس، وهم كثر، يأتون إلي في فتور وكسل، ويمضون قليلا من الوقت على مضض وملل، وهم أنفسهم أكثر نشاطا في أمور الدنيا، يسرعون ولا يتأخرون، وينتظرون الساعات الطوال دون ملل أو كلل... منهم من لا يأتي إلي إلا إذا سمع الإقامة دون أن يحبسه عذر، يأتي مسرعا ثائر النفس مشوش الفكر، بعيدا كل البعد عن أدب دخول المسجد، وبعيدا كل البعد عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السّكينة فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا".
بعض العباد يا رب، وأنت تعلم، يأتون الصلاة متأخرين متكاسلين. ألا يعلمون أن في ذلك تشبها بالمنافقين، الذين قلت فيهم: "ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى" وقلت سبحانك { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى }...
ألا يخشون يا رب تأخيرك لهم بسبب تأخرهم عن الصلاة. ألم يقل رسولك الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: ( تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخّرهم الله ) رواه مسلم.
وآخرون يا رب إذا أقبل رمضان أقبلوا علي حتى إذا ألفتهم وانقضى رمضان انصرفوا عني وهم يعلمون علم اليقين أنك أنت الله في رمضان وفي سائر الشهور، ويعلمون أن الصلاة مكتوبة عليهم في رمضان وفي كل الأيام. اللهم عفوك عفوك، ولطفك لطفك.
يا عباد الله { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدّتْ لِلّذينَ ءآمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ }
يا عباد الله اعلموا أن الأوقات تمضي والأعمار تنقضي، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، والجنة لا تُدرك بالتمني، ولا بشرف النسب، ولا بعمل الآباء والأجداد، ولا بكثرة الأموال والأولاد
{ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بالّتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاّ مَنْ ءآمَنَ وَعَمِلَ صَاِلحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }.
ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه