منذ نعومة أظفارنا ... وتبلور أفكارنا كنا نقرأ على جدران المدارس وعلى أسطح البنايات العالية (( ألقدس وفوهة البندقية طريق واحد )) ... وكنا نتسائل عن معنى ذلك وأساسه ... فيخبرنا من هو أدرى منا في حينها ... إنّ القدس المحتلة لا يسترجعها العرب والمسلمون إلا ّ عبر الجهاد والكفاح المسلح ... وتمر الأيام والسنوات وإذا بنا نعبر أعمارنا وتتوسع أفكارنا ... فنجد أنفسنا أمام عنوان غريب وبعد آخر ألا وهو (( القدس ـ بغداد طريق واحد )) ... ولتتكلم الأحداث عن نفسها وتترنم الأناشيد الدينية والحماسية والوطنية بهذا المعنى ... فمذبح الحرية والجهاد في العراق امتد إلى القدس ونابلس ورام الله وغزة كما امتد من قبل إلى القاهرة والرياض ومكة ودمشق وعمان وحلب والجزائر ... رأينا أنفسنا نردد أنشودة قديمة هتفت بها حناجرنا ونحن صغارا ً .. أشبالا ً ... فتيانا ً ... شبابا ً ... رجالا ً (( أخي العربي في كل مكان ... أخي في الجزائر أخي في عُمان )) ... هتفنا بها ونحن نتابع قصة المجاهد (( عبد الله الفلسطيني )) ... ألذي ولد في بغداد الرشيد 1985 ... وارتوى من خير دجلتها ... وشبع من بلح بصرتها ... أحبّ عبد الله بغداد كما أحب أهله من قبل القدس وحيفا ويافا ....
عبد الله كان يرى في الاحتلال الصهيوني لفلسطين معنى واحد لاحتلال أمريكا للعراق ... عبد الله يريد أن يجاهد ... وها هو الاحتلال جاء إلى حد بيته ... وداره ... وأصدقائه ... يروي قصته أحد رفاقه قائلا ً ... كان عبد الله مولعا ً بحفظ القرآن ودراسة الفقه الإسلامي ... أكمل دراسته الثانوية في مدرسة الشيخ معروف في بغداد ... وتم قبوله في الجامعة الإسلامية قسم علوم الحديث ....
وحينما بدأ أهل الجهاد في العراق صولتهم واستشهد الكثيرون منهم ... شاءت إرادة السماء أن يكون أحد أصدقائه ورفاقه المقربين (( حذيفة )) واحدا ً من هؤلاء الراحلين إلى عليين ... فحزن عبد الله كثيرا ً وذرف الدمع مدرارا ً على رفيقه حذيفة (( أبو عبيدة )) ... وبكى أكثر لأنّ الله لم يُلحق به بقوافل الشهداء كما ألحق غيره من المجاهدين والمرابطين ... يخرج عبد الله الفلسطيني للمعركة ... ويعود سالما ً ... وهو يقول ويدعو (( ربي أن لم تحشرني مع الشهداء فهذا يعني أني غير صادق النية والعبادة معك )) ... كان أهله وأقاربه ورفاقه وأصدقائه يسمعون منه ذلك مرارا ً وتكرارا ً ... حتى جاء موعد الرحيل (( 29 / 12 / 2003 )) ... حينما تعاهد مع مجموعة من الابطال والمجاهدين بالتوجه إلى منطقة زيونة ... الشارع العام وهو يروم زراعة عبوة ناسفة تستهدف أحد الأرتال الأمريكية ... وما ان بدأ مجاهدنا الفلسطيني بتهيأة ذلك حتى انفجرت قضاءا ً وقدرا ً ولترفع روحه الطاهرة إلى باريها فرحة ... مبتهجة ... بما تحقق لها من نعيم أبدي لا يزول ....
عشقت شهادة فنسيت دنيا ... طلبت الخلد فالدنيـا حطام
فيا ربّـــاه بلــّغه جنانــــــا ً ... بها الشهداء أحياءً أقاموا