صفعات غيرت التاريخ
فهد عامر الأحمدي
كما لا أستطيع إحصاء عدد الصفعات التي وجهها الرجال للنساء في السينما.. لا أستطيع إحصاء عدد الصفحات التي غيرت الأحداث وأججت الثورات وانعطفت بمسار التاريخ..
ولعل أهم صفعة في تاريخنا المحلي تلك التي تلقاها الشريف خالد بن منصور على وجهه ودعته للانضمام للملك عبد العزيز .. وكان الشريف خالد أميرا للخرمة ومن أقارب الأمير حسين وحدث بينهما خلاف عام 1336. وكان ميالا للدعوة الوهابية الأمر الذي جعل الشريف حسين يعتقله ذات مرة, ولكنه عاد وأطلق سراحه ليساعد ابنه عبد الله في حصار المدينة.. ولكن الخلاف نشب بينه وبين عبد الله (ابن الشريف حسين) فصفعه الأخير على وجهه أمام الناس.. وحين لم ينصفه الشريف حسين تمرد عليه وانضم للملك عبد العزيز وتبعه أهل الخرمة في ذلك ...(وتعرفون بقية القصة)!!
... وقبل ذلك بكثير كان جبلة بن الأيهم وهو من أمراء الغساسنة قد صفع أعرابيا من فزارة داس على ثوبه أثناء الطواف . فاشتكى الأعرابي إلى عمر بن الخطاب فحكم له برد الصفعة . فاستنكر جبلة ذلك وقال: كيف يقتص مني وهو من سوقة العرب وأنا من ملوك الغساسنة .. فقال عمر: إن الإسلام ساوى بينكما.. فقال: حسبت الإسلام سيزيدني عزا فوق عز كنت فيه بين النصارى.. فقال عمر: أما أن ترضيه أو يقتص منك.. ولكن كبرياء جبلة لم يتحمل هذا النوع من المساواة فطلب مهلة يراجع فيها نفسه فوافق عمر.. غير أن المهلة التي طلبها كانت مجرد حيلة هرب أثناءها إلى الروم حيث ارتد عن الإسلام وتنصر ...(ولايعرف أحد نهاية القصة)!!
وقبل ذلك بخمسين عاما على الأقل وقع مخترع الكرم (حاتم الطائي) أسيرا في بني عنزة .. وكان قد وضع نفسه في الأسر طواعية بسبب حالة كرم نادرة فدى فيها أسيرا من قومه .. وتذكر الروايات أنه اختلف مع أمة أو جارية كانت تطعمه فلطمته على وجهه .. وكان قمة الإهانة لدى العرب أن تلطم المرأة الرجل (ناهيك عن كونها جارية لا يحق لها لبس الأساور والحلي) فقال جملة غدت مثلا بين العرب: "لو أن ذات سوار لطمتني" !!
... أما أشهر صفعة في أيامنا هذه فهي بدون شك تلك التي وجهتها الشرطية التونسية فادية حمدي لبائع الخضار محمد البوعزيزي فأشعلت ثورة أطاحت برئيس البلاد .. ففي 17 ديسمبر الماضي كانت فادية تقوم بمهمتها اليومية في مراقبة سوق الخضار حين اختلفت مع البوعزيزي على موقع عربته، فأمرت أعوانها بمصادرتها .. وحين حاول منعها صفعته أمام الناس، فيما أكمل أعوانها ضربه وركله، فقرر إحراق نفسه أمام دار البلدية (خصوصا في ظل معاناته الأزلية من الفقر والبطالة والإحباط).. وكما كان عيبا أن تضرب المرأة الرجل زمن حاتم الطائي كان البوعزيزي ينتمي لقبيلة يحتم فيها العرف لبس "الفستان" على الرجل الذي تصفعه امرأة.. وفي الرابع من يناير توفى في المستشفى بعد يومين من زيارة الرئيس التونسي له فأشعل بذلك مظاهرات شعبية ضد الجور والبطالة بدأت صغيرة تم توسعت لدرجة عمت تونس وخرجت لبلدان عربية كثيرة ...(وستعرفون نهاية القصة قريبا)!!
وكل هذا يثبت خطورة لطم الوجه، وكم الإهانة الذي تسببه لدرجة إقدام الإنسان على حرق نفسه، والارتداد عن دينه، والتمرد على ولي نعمته.. فالقضية هنا لا تتعلق (بالعقاب) بل بالشعور بالوضاعة والهدر العلني للكرامة الذي يتفاقم بعدد مشاهديها ..
ولهذا السبب بالذات نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه حتى لتأديب العبد والجارية، وقال {إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه بل ومنع ضرب الوجه حتى في حال الاقتتال حيث قال {إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه وفي رواية لابن حاتم { إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته!!
... ولو كان الأمر بيدي لأصدرت قانونا لا يمنع فقط الآباء والمعلمين ورجال الأمن من فعل ذلك؛ بل ويجبر "مقص الرقيب" على حذف كافة المشاهد التي يصفع فيها الرجال النساء (وتوحي لأطفالنا الذكور بحقهم في صفع الأنثى كلما رفعت صوتها أمامهم)!