إن غض البصر عن المحرمات امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، فقد أمر الله المؤمنين والمؤمنات بذلك في قوله جل ذكره: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)) الآية وقال تعالى بعدها: ((وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)) الآية فإذا وقع نظر الإنسان على شيء محرم من غير قصد فعليه أن يصرف بصره عنه.
• وقد أخرج مسلم في صحيحه (2159) عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة. فأمرني أن أصرف بصري، وفي مسند الإمام أحمد (1373) عن علي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة)) وأخرجه أبو داود (2149) فالنظرة الأولى غير المقصودة معفى عنها.
• وقوله عليه الصلاة والسلام : (( فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة)) لأنه ربما ظن أحد جواز القصد في النظرة الأولى، وليس الأمر كذلك، لأن النظرة الأولى لم تقصد فإذا وقع النظر بلا قصد وجب صرفه، وذلك لأن النظرة الأولى لم يحضرها القلب فلا يتأمل بها الإنسان المحاسن ولا يقع الالتذاذ بها فمتى استدام الإنسان النظرة الأولى واستحضر ذهنه وقلبه لها فتكون كاالثانية في الإثم.
• إن غض البصر فيه إغلاق لأبواب الفواحش والفتن وأكثر ما تدخل المعاصي على الإنسان من إطلاق النظر فمن يطلق بصره لمشاهدة كل ما تهواه نفسه وتدعوه إليه فقد يحرم لذة الطاعة في العبادة، وقد كان السلف يبالغون في الحث على غض البصر حذراً من فتنة النظر وخوفاً من عقوبته، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطمعا، والإثم خراز القلوب. وقال أيضا : من أطلق طرفه كان كثيراً أسفه فإطلاق البصر سبب لأعظم الفتن.
• ولا يخفى أن الفتن وإثارة الشهوات المحرمة قد كثرت في هذا الزمن وتداعت على الأمم من كل مكان والحضارة المعاصرة اليوم تصور للناس كل رذائل الأخلاق ومساوئ الآداب وتدعو إلى طرق باب الفواحش بما يعرض في القنوات الفضائية من مناظر مغرية. وأحوال مخزية تدعو إلى فعل الفواحش وتقضي على العفاف وتفوض الآداب.
• وقد ظهرت في هذا الزمن أهوال لا توصف وبدت للناس أمور لا تعرف من قبل، وانكشف للناس حالات وطرق لم تكن تكشف فإن لم يتنبه المسلم لهذا ويحتاط لدينه ويحفظ نفسه وأهل بيته وإلا تعرض لهذا الوباء المدمر فمن أراد الفلاح والتزكية لنفسه فليحفظ بصره عن محارم الله وليخلص قلبه من أسر الشهوات.
• غض البصر عن حرمات الله عبادة يكسب القلب نوراً وإشراقاً، يظهر أثره على الإنسان في حياته، ويخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، ويسد على الشيطان مدخله إلى القلب ويورث القلب فرحاً وسرورا وانشراحا.
والله ولي التوفيق.