عندي أذكار ثابته أقولها كل يوم قبل أو بعد الصلاة
أولا: هل يمكن أن أكرر الأذكار كما أشاء أو يوجد أذكار لها حد أدنى أو حد أقصى أرجو التفسير؟
ثانيا: دائما الشيطان يوسوس لي أن الأذكار التي أكررها غير كافيه مع أني أصل في اليوم لحوالي 9000 مرة باليوم. هل هذا يعتبر كافيا أم يلزم علي أن أزيد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية ينبغي أن نفرق بين الأذكار المقيدة بعدد ووقت وحال معينة، كالأذكار الواردة بعد الصلوات الخمس، وبين الأذكار المطلقة التي ندب الشرع إليها وحث على الاستزادة منها، دون تقييد بعدد أو وقت أو حال، كالاستغفار والباقيات الصالحات. فالنوع الأول ينبغي أن يلتزم الذاكر بما ورد به الشرع دون زيادة ولا نقصان.
وأما النوع الثاني فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر، وذلك نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه. رواه مسلم.
ولكن مثل هذه الأذكار المطلقة لا يصح أن يلتزم المرء فيها بعدد ووقت معين معتقدا سنيته أو فضيلته، وإلا كان ذلك من البدع الإضافية، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 118092 ، 43323 ، 6604.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها، وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد. اهـ.
وقد عقد الشيخ العلامة بكر أبو زيد في رسالته القيمة (تصحيح الدعاء) فصلا لقواعد التعبد بالذكر والدعاء، فكانت القاعدة السادسة: كل من أحدث في التعبد ـ كالذكر والدعاء المقيد ـ ما ليس منه تسننا فقد أثم من جهات أربع:
1ـ هجر المشروع.
2 ـ والاستدراك على الشرع.
3 ـ واستحباب ما لم يشرع.
4 ـ وإيهام العامة بمشروعيته.
فليحذر العبد القانت لربه من إحداث ما لم يشرع، ففي المشروع كل خير، وخيرة الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه. اهـ.
وأما مسألة: هل هذه الأذكار كافية؟ فجواب هذا يكون باعتبار معنى الكفاية، وإلا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. متفق عليه.
فهذا الأمر يتفاوت بحسب المرتبة التي يسعى لها العبد من السبق والتوسط والاقتصاد. وبالجملة فالذي يمكن القطع به أن من واظب على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات والأحوال المختلفة فهو من الذاكرين الله كثيرا.
وللفائدة ننقل للسائل ما ذكره الإمام النووي في الحد الذي يصدق به على المرء أنه من الذاكرين الله كثيرا، حيث قال في كتاب (الأذكار): اختلف في ذلك، فقال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات وغدوا وعشيا وفي المضاجع وكلما استيفظ من نومه وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى. وقال مجاهد: لا يكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا. وقال عطاء: من صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قول الله: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) هذا نقل الواحدي. وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتبا في الذاكرين الله كثيرا والذاكرات" هذا حديث مشهور، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم. وسئل الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء في الأوقات والأحوال المختلفة ليلا نهارا وهي مبينة في كتاب عمل اليوم والليلة كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 133858.
والله أعلم.