أول ليله في القبر
ليلتان إثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته .. ليلة وهو في بيته مع أطفاله وأهله .. منعماً سعيداً ، في عيش رغيد ، وفي صحة وعافية ، يضاحك أطفاله ويضاحكونه .. والليلة التي تليها مباشرة ليلة أتاه الموت فوضع في القبر ..
ليلة ثانية وضع في القبر لأولِ مرة ، وذاك الشاعر يقول :
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون ، يقول :
إنتقلت من مكان إلى مكان ، وذهبت من موضع نومي في بيتي إلى بيت آخر فما أتاني النوم ..
فبالله كيف تكون أول ليلة في القبر ؟!! ..
يوم يوضع الإنسان فريداً وحيداً مملقاً إلا من العمل ، لا زوج ولا أطفال ولا أنيس : ( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ) ..
أول ليلة في القبر بكى منها العلماء ، وشكى منها الحكماء ، ورثى إليها الشعراء ، وصنفت فيها المصنفات ..
أتى أبو العتاهية يقول لسلطان من السلاطين غرته قصوره ، وما تذكر أول ليلة ينزل فيها القبر ..
ونحن نقول لكل عظيم ولكل متكبر متجبر ، أما تذكرت أول ليلة ؟!! ..
هذا السلطان بنى قصوراً في بغداد ، فدخل عليه الشاعر يهنئه بالقصور يقول له :
عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور ..
عش ما بدا لك سالماً عش ألف سنة ، عش مليون سنة سالماً معافاً مشافا ..
يجري عليك بما أردت مع الغدوِ مع البكور ..
ما تريد من طعام ، ما تريد من شراب هو عندك ، ولكن أسمع ماذا يقول :
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور .. فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور ..
فبكى السلطان حتى أغمي عليه : فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور ..
وأنا أطالب نفسي و إياكم يا معاشر المسلمين أن نهيء لنا نوراً في القبر لأول ليلة ..
و ولله لا ينير لنا القبر إلا العمل الصالح بعد الإيمان ..
لنقدم لنا ما يؤنسنا في القبر يوم ننقطع عن الأهل و الولد والأصحاب ..
و والله لننزلنها جميعاً ، أول ليلة ..
أتيت القبور فناديتها .. أين المعظم والمحتقر ؟!! ..
أتيت القبور .. قبور الرؤساء و المرؤوسين ..
قبور الملوك والمملوكين ..
قبور الأغنياء والفقراء فناديتها أين المعظم والمحتقر ؟!! ..
تفانوا جميعاً فما مخبر .. وماتوا جميعاً ومات الخبر ..
فيا سائلي عن أناسٍ مضوا .. أما لك في ما مضى معتبر ..
أريت قبراً ميز عن قبر ؟!! ..
أأنزل الملك في قبر من ذهب أو فضة ؟!! ..
والله لقد ترك ملكه وقصوره وجيشه وكل ما يملك ، ولبس قطعة من القماش كما نلبس وأنزل التراب ..
يا شاباً مصطصحاً متنعماً غره الشباب والمال والفراغ هل أعددت لأول ليلة في القبر ؟!! ..
يا شيخاً كبيراً إحدودب ظهره ودنى أجله ، هل أعددت لأول ليلة في القبر ؟!! ..
إنها أول الليالي .. و إنها إما أول ليلة من ليالي الجنة ..
أو أول ليلة من ليالي النار ..
أسأل الله أن يصلحنا و يخرجنا من الظلمات إلى النور ، و أن يكفر عنا سيئاتنا ، و أسأله سبحانه و تعالى أن يهيئنا بعمل صالح لأول ليلة من القبر .. و أن يثبتنا بالقول الثابت ، و يحسن خاتمتنا ، ولا يجعلنا قوم إنحرفوا عن منهج الله و إشتروا معاصي الله ، و غفلوا عن آيات الله ، فعموا و صموا و ضلوا و ابتعدوا