تعدد الأقمار والشموس في الكون
قال الله عز وجل في سورة فصلت :﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾(فصلت: 37) .
أولاً- كتب المهندس عبد الدايم الكحيل في موقعه ( الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ) على هذا الرابط :
http://www.kaheel7.com/modules.php?name=News&file=article&sid=990مقالاً عنوانه
تعدد الأقمار والشموس في الكون ) ، متخذًا من قوله تعالى :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ في الآية السابقة دليلاً على تعدد الشموس والأقمار في الكون ، حيث أسند سبحانه وتعالى فعل خلق الشمس والقمر إلى ضمير الجمع ، وهما مثنى . ومما قاله في هذا المقال :« ونلاحظ من خلال هذه الآية أن الله تعالى قال
خَلَقَهُنَّ ) بصيغة الجمع ، وفي ذلك دلالة على تعدد الشموس . فالحديث في الآية عن الشمس والقمر ، والذي يقرأ سياق الآية يظن أن الكلمة ستأتي بصيغة المثنى ( خلقهما ) ، فلماذا قال
خَلَقَهُنَّ ) مع العلم أن الحديث عن الشمس والقمر ؟ » .
وأضاف قائلاً :« ولكن التعبير القرآني جاء كما يلي : ( لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) . فلو كان الحديث في هذه الآية عن الشمس والقمر في مجموعتنا الشمسية فقط ، لقال : ( خلقهما ) ؛ ولكن كلمة ( خَلَقَهُنَّ ) تدل على الجمع . إذاً هناك أكثر من شمس وأكثر من قمر !! » .
ثم أيَّد رأيه بما أثبتته الاكتشافات الجديدة في علم الفلك من وجود ما لا يقل عن مئة ألف مليون شمس مثل شمسنا ، ومن وجود كواكب غير الأرض ، وكواكب شبيهة بالأرض ، وأن بعض هذه الكواكب يوجد لها أقمار تدور حولها تمامًا مثل القمر الذي يدور حول الأرض ، وتقدر بالبلايين وأكثر .
وختم مقاله بقوله :« ومن هنا ندرك الإشارة القرآنية الرائعة لتعدد الشموس والأقمار في قوله تعالى: ( وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) ، فسبحان الله الذي خلق كل شيء ، في كلمة واحدة تتجلى معجزة لمن يفهمها ويدركها » .
ثانيًا- ولسائل أن يسأل : إذا كان علماء الفلك قد اكتشفوا في هذا الكون العجيب الصنع مائة ألف ملبون شمس ، وبلايين الأقمار كما يقول المهندس كحيل ، فهل في قوله تعالى
لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) ما يشير إلى ذلك ؟؟؟
لم يذكر أحد من المفسرين أن في هذه الآية إشارة إلى تعدد الشموس والأقمار كما يزعم ذلك المهندس كحيل ؛ لأنه ليس فيها ما يشير إلى ذلك ، لا من بعيد ولا من قريب . وواضح من الآية أنها تتحدث عن شمس واحدة ، وقمر واحد . وأن النهي فيها هو نهي عن السجود لشمس واحدة ، والسجود لقمر واحد ، وليس لشموس وأقمار متعددة . وإذا كان كذلك ، فكيف قال تعالى
خَلَقَهُنَّ ) ، وظاهر الآية يوجب أن يقال
خلقهما ) ؟ وللمفسرين في الإجابة عن ذلك ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الضمير في :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ يعود على الأربعة المتعاطفة ( الليل والنهار ، والشمس والقمر ) ، وعليه يكون المعنى : واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار ، والشمس والقمر . فلما أعيد الضمير على هذه الأربعة المتعاطفة ، أتي به جمع مؤنث . ولم يؤت به جمع مذكر ؛ لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى ، أو الإناث . يقال : الأقلام بريتها ، وبريتهن .
والقول الثاني : أنه يعود على لفظ الآيات ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ . فلما كانت الآيات جمع مؤنث ، أو في معنى الإناث ، جاز أن يقال :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ .
والقول الثالث : أن الضمير للشمس والقمر ، وهما اثنان . والاثنان جمع في مذهب بعضهم ، وجمع ما لا يعقل يؤنث ، وأنه من حيث يقال : شموس وأقمار ؛ لاختلافهما بالأيام والليالي ، ساغ أن يعود الضمير إليهما جمعًا .
ثالثًا- وجوابنا عن ذلك : أن ظاهر الآية يقتضي أن الضمير في ﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ للشمس والقمر ؛ لأن الآية الكريمة نهت عن السجود لهما ، وأمرت بالسجود لله الذي خلقهما ، أو خلقهن ، وكلاهما جائز في اللغة ؛ ولكن الثاني أفصح من الأول . والعرب إنما تسند الفعل إلى ضمير الجمع ، إذا كان ذلك الضمير يعود على مفردين قد عطف أحدهما على الآخر ، ولم يكن لكل واحد منهما ثانٍ في الوجود . فالشمس لفظ مفرد لا ثاني له في الوجود . والقمر لفظ مفرد لا ثاني له في الوجود . تقول : خلق الله الشمس والقمر . فإن أتيت بضميرهما مسندًا إلى الفعل ، قلت : الشمس والقمر خلقهما الله ، وخلقهن الله . والثاني هو الأفصح والأشهر في لسان العرب ؛ لأنهما مفردين لا ثاني لهما في الوجود ، فيعاملان معاملة الجمع ؛ لأنهما لا يثنَّيان .
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾( التحريم: 4) ، وهو خطاب لعائشة وحفصة- رضي الله عنهما- وكان ظاهر الكلام يقتضي أن يقال
قلباكما ) ؛ ولكنه أُتيَ به بصيغة الجمع . قال الفراء :« وإنما اختير الجمع على التثنية ؛ لأن أكثر ما يكون عليه الجوارح اثنان ، اثنان في الإنسان ؛ كاليدين والرجلين والعينين . فلما جرى أكثره على ذلك ، ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين ، مذهب الاثنين » . وقال الزجاج :« وحقيقة هذا الباب : أن ما كان في الشيء منه واحد ، لم يثنَّ ولُفِظ به على الجمع ؛ لأن الإضافة تبيِّنه . فإذا قلت : أشبعت بطونهما ، علم أن للاثنين بطنين فقط » .
ومن ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال :« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » . قالا : الجوع يا رسول الله ! قال :« وأنا ، والذي نفسي بيده ، لأخرجني الذي أخرجكما .. » . فلما قال :« من بيوتكما » ، علم أن لكل واحد منهما بيت واحد ، لا أكثر . وعلى هذا ورد قوله تعالى :﴿ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ﴾ .
وأما قولهم : القمران ، للشمس والقمر ، فمن باب تغليب المذكر على المؤنث لشرف التذكير ؛ كما قال تعالى :﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾(القيامة: 9) . أي : جمع القمران ؛ فإن التثنية أخت العطف ، وكأنه قيل : جمع القمر والقمر .. وهذا من الأسرار الدقيقة في البيان الأعلى .
وأما التعبير عنهما بضمير من يعقل ﴿ هُنَّ ﴾ فلتغليب الشمس على القمر لأهميتها ؛ ولأن ﴿ هُنَّ ﴾ لفظ مشترك بين من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنث المجموع ، ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾(الزخرف: 9) ، وقوله تعالى :﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ﴾(الأنبياء : 56 ) . ومما يدلك على أن ﴿ هُنَّ ﴾ مشترك بين من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنث المجموع قوله تعالى :﴿ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾(التوبة: 36) ، فأتى بضمير من يعقل ﴿ فِيهِنَّ ﴾ ، وهو عائد على الأربعة الحرم ..
ويتضح مما تقدم أن القول بأن في قوله تعالى
وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) إشارة قرآنية رائعة لتعدد الشموس والأقمار قول ظاهر التكلف ، وتحميل للآية الكريمة ما لا تحتمله . ولو كان هذا القول صحيحًا ، لوجب أن يقال مثله في قوله تعالى لعائشة وحفصة رضي الله عنهما :﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾( التحريم: 4) ، وقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما :« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » ، وهذا ما لم يقل به أحد ، وما ينبغي له أن يقول .. والله تعالى أعلم !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك