القاهرة: د. أحمد الغمراوي
الألم هو شعور بدني أو معنوي «غير مريح»، يصاحب أي تدمير فعلي أو احتمالي للخلايا الحية بالجسم، وقد يحدث الألم بمجرد تذكر خبرة مؤلمة مشابهة سابقة.
ويدفع الألم الشخص الذي يشعر به إلى الابتعاد عن المصدر المتسبب في حدوثه، إضافة إلى ترك «ذكرى» في عقل المصاب بالألم تتراوح شدتها تبعا لكمّ الألم الذي عاناه الشخص، وقد تتحول هذه الذكرى إلى نوع من الهوس أو الرهاب (الفوبيا).
ويتم علاج الألم في حد ذاته عن طريق المسكنات، وإن كان هذا النوع من العلاج هو علاج للأعراض فقط ويجب أن يتبعه علاج للمسبب الأساسي للألم، سواء كان هذا العلاج دوائيا أو جراحيا.
ولكن نظرا للآثار السلبية المترتبة على استخدام المسكنات، وبخاصة القوية المفعول منها، على الأعضاء المختلفة كالمعدة التي غالبا ما تحدث بها قرحة من كثرة الاستخدام، أو كالكبد والكلى اللذين تتأثر وظائفهما بالاستخدام الطويل، فإن العلماء دائما ما يبحثون عن بدائل أخرى لتسكين الآلام، المزمنة منها بالأخص.
* تسكين «مناعي» للألم
* وفي هذا الصدد، أوضح بحث علمي صدر عن جامعة ليفربول أن معالجة خلل بالجهاز المناعي قد أدت إلى تقليل حجم الألم الذي يعاني منه مرضى متلازمة الألم النطاقي المركب Complex Regional Pain Syndrome، وهو مرض غير معروف السبب يصيب بعض الأشخاص عقب التعرض للكسور أو الكدمات، ويستمر فيه الألم المزمن، الذي قد يصل إلى حد الإعاقة التامة لمن يعانيه، لفترات طويلة جدا عقب شفاء الجزء المصاب.
ويؤكد البروفسور أندرياس غوبيل أن حقن جرعات وريدية بسيطة من الأجسام المناعية المضادة قد أسهم في انتهاء الأزمة وتقليل حدة الآلام المبرحة في نحو 50% من المرضى المصابين بالمتلازمة، في حين أن هؤلاء الذين لم يشفوا تماما من المرض، قد خبروا تحسنا ملحوظا في حالاتهم.
ويوضح غوبيل الأمر بأن مرضى المتلازمة يعانون على الأرجح جراء «انكشاف» بعض الأجزاء من عظامهم للجهاز المناعي في لحظة الكسر، والتي تكون مغطاة في الأوقات الطبيعية بالغشاء المحيط بالعظام، ومع وجود خلل بالجهاز المناعي لهؤلاء الأشخاص، فإنه يقوم بمهاجمة هذه النقاط مرارا وتكرارا، مما ينتج عنه الألم المزمن.
* علاج سلوكي
* بحث آخر أجراه علماء جامعة مركز روتشستر الطبي بولاية نيويورك الأميركية في فبراير (شباط) الماضي يشير إلى أن العلاج السلوكي لمرضى الأرق، والذي قد يكون سببه الألم، قد يسهم إلى حد بعيد في تقليل حدة الألم ذاته. إذ أشارت البروفسورة كارلا جنكويست، أستاذة أبحاث النوم والوظائف العصبية، إلى أن العلاج السلوكي الذي يشتمل على تصحيح العادات الخاطئة المتعلقة بالنوم، من عدم انتظام مواعيد النوم وتحديد الساعات والأماكن الأكثر ملائمة للنوم المريح وخلافة، قد قلل كثيرا من حاجة المرضى الذين يعانون من آلام مزمنة أو مبرحة إلى استخدام العقاقير المثبطة للألم.
* الليزر والألم
* وفي سياق مواز، أشارت البروفسورة روبرتا شو، أستاذة علوم الأعصاب بجامعة سيدني الأسترالية، إلى أن استخدام حزمة ليزرية منخفضة المستوى يقلل من أعراض الألم غير النوعي (non - specific غير محدد الأسباب) المزمن في منطقة الرقبة.
وتقول شو إن استخدام الحزمة الليزرية الموجهة إلى منطقة الرقبة قد أسهم في مساعدة الأنسجة على الالتئام وتخفيف حدة الألم في أكثر من 75% من الحالات بطريقة مشابهة للوخز بالإبر الصينية، ولكن استخدام هذه النوعية من الليزر أبسط ولا يحتاج إلى مهارات خاصة.
* جلسات التأمل
* من جهتهم أكد باحثون من جامعة نورث كارولينا أن القليل من جلسات التدريب على التأمل، مثل ما يحدث في اليوغا أو ما يفعله بعض المتصوفة والرهبان، قد يساعد المتألمين على اجتياز حواجز الألم.
ويوضح البروفسور فاضل زيدان، أستاذ علم النفس، أن التأمل يغير من طبيعة استقبال وتعامل القشرة المخية مع إشارات الألم المتدفقة من الأعصاب. حيث أن التأمل يجعل القشرة المخية تركز في مسائل أخرى وتهمل جزئيا تلك الإشارات، الأمر الذي يحمل أثرا مثبطا للألم.
ويقول زيدان إن التركيز في الصلاة، أيا كانت الديانة، يعتبر أحد أهم أنواع التأمل، حيث إن التركيز يخرج الإنسان من نطاق الجسد المتألم، ويبعث فيه طاقة روحية عالية لها أكبر الأثر في تسكين الألم.
وفي سياق مواز، أشار بحث هولندي نشرته الدورية الطبية البريطانية مطلع العام الجاري، إلى أن الرياضة البدنية المبرمجة تحت إشراف المتخصصين هي أفضل أنواع العلاج للقضاء على الآلام المتعلقة بمنطقة الركبة، والتي تصيب ملايين الأشخاص سنويا، معظمهم من النساء، حيث خرج البحث بنتيجة مفادها أن نسبة الشفاء قد فاقت 70% من الحالات التي مارست الرياضة بشكل منتظم لمدة عام كامل.
ويذكر أن جامعة نوتنغهام البريطانية قد خصصت العام الماضي منحة بحثية لمدة خمس سنوات قدرها 5.5 مليون جنيه إسترليني، لفهم طبيعة الألم المتعلق بالتهاب المفاصل في محاولة لعلاج هذه الآلام. وينتظر المجتمع نتائج هذه الأبحاث، لمكافحة مرض يعوق أكثر من 10 ملايين (بريطاني) عن القيام بأعمالهم بصورة طبيعية.
* تصنيف الألم
* وبالنظر إلى طبيعة الألم وتصنيفه، فإن شدة الألم تتباين ما بين ألم بسيط وشديد، وينقسم إلى نوع سطحي وآخر عميق. السطحي هو ما يتعلق بما يحسه الجلد أو الأنسجة المخاطية وخلافها من أعضاء خارجية، في حين أن العميق هو ما يتعلق بالأعضاء الداخلية.
ويكون الألم السطحي عادة من النوع الحاد والمحدد المكان، ويتنوع تبعا للخلايا الحسية التي تستقبل الحدث المسبب له، اعتمادا على طبيعة المستقبلات الخلوية التي تستشعره، والتي تتنوع بدورها إلى مستقبلات «ميكانيكية» تستقبل إحساس الضغط كالوضع في حالات التهشم أو الكدمات، ومستقبلات «كيمائية» كما الحال عند ملامسة مادة مهيجة للأنسجة، ومستقبلات «حرارية» تشعر بتغير درجات الحرارة، إضافة إلى الأطراف العصبية الحرة التي تشعر بالألم في حالات الجروح أو الوخز.
وقد تشترك عدة مستقبلات في الإحساس بالألم، ومثال على ذلك ما يحدث في حالة الإصابة بطلق ناري، حيث إن المستقبلات الميكانيكية تستشعر الضغط الشديد الذي تسببه القذيفة بينما يستحث تمزق الأنسجة الأطراف العصبية الحرة، وتطلق المستقبلات الحرارية إشاراتها الناجمة عن سخونة القذيفة، في حين أن بقايا المادة المتفجرة في القذيفة تحدث تهيجا للمستقبلات الكيمائية.
أما عن الألم العميق، فتستشعره مستقبلات داخلية. وهو يتمثل غالبا في صورة مغص إذا أصاب الأحشاء، أو ألم نبضي في حال إصابة العظام، أو ألم تمزقي عند إصابة الأربطة والعضلات. ويكون الألم العميق في معظم حالاته غير محدد المكان، ويصعب وصف طبيعته. وقد يشعر به الإنسان في مكان لا علاقة له بمحل الإصابة الفعلي، وكمثال على ذلك فإن الألم الناتج عن التهاب الحوصلة المرارية قد يكون بالكتف اليمنى، والألم الناتج عن كدمة للخصية قد يكون في منطقة أسفل البطن.
* آلم غير نمطي
* وهناك أنواع أخرى غير نمطية للألم، مثل الألم «الشبحي»، وهو الألم الذي يشعر به إنسان في أحد أطرافه التي فقدها بالفعل، كما قد يحدث عقب حالات البتر. أو الألم النفسي، الذي قد يترك آثارا على الأعضاء المختلفة، كما قد يحدث في حال رؤية مناظر غير محببة من ألم بالصدر.
كما احتار العلماء كثيرا في تفسير ظاهرة تخيل العقل البشري لآلام لم يتعرض لها سابقا قط ووصفها بدقة بالغة، وعزوا ذلك إلى قدرة المخ البشري عبر التوفيق والتبديل على تخيل مواقف افتراضية كاملة، أو أن الذاكرة قد تورث بعض خبراتها عبر المادة الوراثية إلى أجيال تالية.
وعند التعرض لمسببات الألم، تمر إشارات من المستقبلات العصبية إلى بعض أجزاء المخ (معظمها في القشرة المخية) عبر الألياف العصبية. ويقوم المخ بدوره باحتساب هذه الإشارات في عملية بالغة التعقيد والسرعة في آن واحد، ثم يصدر أوامره العضلية العصبية بالابتعاد عن مصدر الألم. ويمكننا تصور ذلك كمثال عند تعرض أحد أطراف طفل لمصدر لهب، فيكون رد الفعل الفوري بسحب الطرف بعيدا عن اللهب، مع تكون ذكرى مؤلمة بالمخ تمنع من الاقتراب من مصدر مشابه مستقبلا.
ويعتبر الألم بمثابة جرس الإنذار الذي يطلقه الجسم البشري عند التعرض للخطر، ومن هنا تنبع أهميته الفائقة. فعند غياب الألم، قد يترك الإنسان يده لتحترق حتى التفحم فوق موقد على سبيل المثال، أو قد يشرب آخر مادة كاوية حتى تخترق كل أحشائه دونما شعور. وبفضل الألم، يعلم الإنسان أن هناك شيئا ما غير طبيعي بأعضائه الداخلية الغائبة عن نظره، فيسعى لمعرفة السبب ومعالجته.
* غياب الألم
* ويغيب الإحساس بالألم عن الإنسان في عدة حالات، أشهرها وأكثرها انتشارا في مرضى داء السكري، الذين يعانون من التهاب الأعصاب الطرفية جراء زيادة نسبة السكر بالدم. وهناك أسباب أخرى تؤدي إلى التهاب الأعصاب الطرفية، مثل نقصان مجموعة فيتامين B، الذي يدخل في التركيب الرئيسي للغلاف المحيط للأعصاب الناقلة للإحساس، والذي يؤدي تلفه أو فقدانه (الغلاف) إلى فشل التوصيل الكهربائي للإشارات الحسية والعضلية.
كما يغيب إحساس الألم في بعض حالات إصابة النخاع الشوكي، وقد يغيب مؤقتا عقب الجراحات (وبخاصة في منطقة البطن) نتيجة قطع بعض الموصلات العصبية التي يمر بها الجرح.
أما مرضى الأورام الخبيثة، فعلى الرغم من سلامة جهازهم العصبي، بل وشعورهم بآلام مبرحة في المراحل المتأخرة من المرض، فإنهم كانوا يتمنون أن تتاح لهم فرصة الشعور المبكر ببداية التحول الخبيث للخلايا، إذ إن اسم «الخبيث» يطلق على الأورام السرطانية نظرا لتسللها وتفشيها بداخل الجسم البشري دون أن تشعر الشخص بذلك