الرحمة و الإيمان يتحركان معاً:
الآن هذا النبي العظيم قال عن نفسه:
(( إنما أنا رحمة مهداة ))
[ أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]
رحمة للعالمين، والله قال عنه كذلك:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية: 107]
إلهنا، وربنا، وخالقنا، ومربينا، يخاطبه فيقول:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
كيف اشتقها؟ كيف نالها؟ يقول العلماء: من خلال اتصاله بالله، وهذه للنبي الكريم ولكل مؤمن، من خلال اتصالك الحقيقي بالله يشتق قلبك رحمة منه، فإذا أنت ترحم من حولك، أي إذا كان عندك مؤشر للرحمة ومؤشر للإيمان، اعتقد يقيناً أن المؤشرين يتحركان معاً بقدر إيمانك، أنت رحيم وبقدر رحمتك أنت مؤمن، الرحمة والإيمان يتحركان معاً، إن كان هناك مؤشراً للرحمة ومؤشراً للإيمان.
أكبر شيء يفتقده المسلمون اليوم أن يرحموا بعضهم بعضاً:
ما ينقص المسلمين هي الرحمة بينهم
أيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة، وأحاطت سيوف جنوده بأطراف مكة، هذه المدينة التي أخرجته، وآذته، وحاربته ثلاثة حروب، ونكلت بأصحابه وقتلتهم، مصير هؤلاء بكلمة ينطقها النبي عليه الصلاة والسلام، سألهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، دليل الرحمة، ومجتمع اليوم تنقصه الرحمة، هناك قسوة بالغة، أي إنسان قد ينفق في اليوم مئة ألف ويعطي الموظف مبلغاً لا يكفيه أياماً عدة: ويدعي أنه رضي بهذا المبلغ، هو رضي من الفقر، هل يمكن أن تتدبر أمرك بهذا المبلغ؟ لذلك أكبر شيء نفتقده الآن أن يرحم بعضنا بعضاً.
أيها الأخوة الكرام، ينبغي أن تعلموا يقيناً أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
[ البخاري عن سهل بن سعد]
أحد أكبر أسباب النصر والغنى هذا الضعيف، يمكن أن تسحقه، يمكن أن تهينه، يمكن أن تجيعه، يمكن أن تعطيه مبلغاً لا يكفيه أياماً وهو يقبل من شدة الفقر، هذا الضعيف إذا أطعمته إن كان جائعاً، كسوته إن كان عارياً، علمته إن كان جاهلاً، زوجته إن كان أعزباً، آويته إن كان مشرداً، عالجته إن كان مريضاً، هو ضعيف لا يستطيع أن ينطق بكلمة، والله حدثني أخ طبيب أكن له احتراماً كبيراً قال: والله أذهب إلى المستشفيات العامة، كل روادها من الفقراء، والله لا أحد يستطيع أن يناقشك لو أسأت إليه، يقول لي: والله أنا أعتني بهؤلاء كما أنني بأكبر مستشفى، بأرقى مستشفى، تقرباً إلى الله، وأنا في جنة، هذا المريض الفقير تستطيع أن تقول له: مرضك ليس له شفاء، تستطيع أن تتكلم معه بأقسى لغة، ممكن أن تهمله إهمالاً كلياً، أما إذا ذهبت إلى مستشفى كل المرضى من الطبقة الأولى تعتني عناية تفوق حدّ الخيال، تخاف على مكانتك، على سمعتك، أنت حينما تذهب إلى تلك المستشفى العامة، وتعتني بالمريض، لأنه عبد لله، الله عز وجل يتجلى عليك بالرحمة.
قانون الرحمة:
أيها الأخوة، نحتاج إلى رحمة، الآية الدقيقة الدقيقة التي تعد قانون الرحمة هي قوله تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
أي بسبب اتصالك بنا يا محمد امتلأ قلبك رحمة، فلما امتلأ قلبك رحمة انعكست هذه الرحمة ليناً، هذا اللين سبب التفاف الناس حولك.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
ولو كنت منقطعاً عنا عندئذ يمتلئ القلب قسوة، وتنعكس القسوة غلظة، والغلظة تسبب أن ينفض الناس من حولك.
صدق ولا أبالغ هذه الآية معادلة رياضية؛ اتصال رحمة لين التفاف، انقطاع قسوة غلظة انفضاض، من يحتاج هذه الآية؟ كل واحد منا، إذا كنت أباً ألا تتمنى أن يلتف أولادك حولك؟ أن يحبوك؟ أن ينصاعوا لأمرك؟ أن يكونوا في خدمتك؟ أن يقدروك؟ أن يثنوا عليك في غيبتك؟ البطولة ليس الثناء في حضرتك هذا يملكه الأقوياء، لكن الثناء في غيبتك يملكه الأنبياء، الأقوياء يمدحون في حضرتهم والأنبياء يمدحون في غيبتهم، بطولتك أن تمدح في غيبتك لا في حضرتك، يحتاجه الأب، تحتاجه الأم، يحتاجه أي إنسان انعقدت صلته بالله، يمتلئ قلبه رحمة لأن الرحمة مؤشر الإيمان، يتحرك تماماً مع مؤشر الرحمة، أنت رحيم بقدر ما أنت مؤمن، وأنت مؤمن بقدر ما أنت رحيم.
رحمة النبي صلى الله عليه و سلم بالناس:
أيها الأخوة، أعرابي التقى النبي عليه الصلاة والسلام حافي القدمين، يقول في قسوة وفي جهالة: اعدل يا محمد، فليس المال مالك، ولا مال أبيك. أي إنسان قوي يقال له هذا القول بهذه القسوة يمكن أن يقتله كلياً، أن يسجنه، ما الذي حصل؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال: صدق إنه مال الله، وأكرمه وأرضاه.
يسمع بكاء طفل رضيع في صلاة الفجر كأنه ببكائه يخاطب أمه، والعادة أن أطول صلاة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام هي صلاة الفجر، فقرأ أقصر سورة وسلم فلما سألوه لمَ فعلت هذا يا رسول؟ قال: سمعت بكاء طفل ينادي أمه ببكائه فأردت أن أرحمه، هذه رحمته.
كان يرتجف من أعماقه إذا رأى دابةً تحمل فوق طاقتها، فكيف الذي يحمل شعوباً فوق طاقتها؟
رأى أحد أصحابه يذبح شاة أمام أختها فغضب قال: هلا حجبتها عن أختها، أتريد أن تميتها مرتين؟
أيها الأخوة، بعد أن دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها وقف أمام الناس خطيباً وقال: أيها الناس من كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتدْ منه، ومن كنت شتمتُ له عرضاً فهذا عرضي، ولا يخشى الشحناء، فإنها ليست من شأني، ولا من طبيعتي.
في أعلى درجات القوة جاءه سعد بن عبادة قال:يا رسول الله إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم لهذا الفيء الذي لم تؤتِ الأنصار منه شيئاً، فقال: يا سعد أين أنت من قومك؟ قال: ما أنا إلا من قومي ـ أي هو غضبان أيضاً ـ قال: اجمع لي قومك، والله قال كلاماً يذيب الصخر.
(( قال: أما بعد، يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ؟ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ ـ أي حزن ـ في شأن هذا الفيء الذي أعطيته لغيركم، يا معشر الأنصار! أما إنكم لو شئتم لقلتم ـ الآن بعد معركة حنين دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها ـ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلا فَأَغْنَيْنَاكَ ـ ذكرهم بفضلهم عليه وهو في أعلى درجات القوة ـ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلالا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلِى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلامِكُمْ، أَفَلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ ؟ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ))
[ مسند أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
أي إنسان قوي إذا كان هناك فئة اعترضت عليه يسحقها، يلغي وجودها أحياناً، يا ترى هذه القصة تدرج مع حكمته أم مع رحمته أم مع تواضعه أم مع وفائه؟ قلق الأنصار وهو في مكة بلده يحبها كثيراً لعله يبقى بها، فلما بلغه قلقهم قال: معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم، ما تخلى عنهم أبداً.
أيها الأخوة الكرام، كان مع أصحابه في سفر، أرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، والنبي قمة البشر، زعيم الأمة، قائد الأمة، في أعلى مستوى، قال: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
هذه سنته أي قصة يمكن أن تشرح بسنوات، دخل أعرابي إلى مجلس النبي قال: أيكم محمد ؟ ليس له مكان خاص، هناك روايتان؛ الأولى: قال النبي الكريم: أنا، والثانية، قال أحد أصحابه: ذاك الوضيء.
ألا تفهمون منها أنه لم يكن متميزاً على أقرانه؟
في معركة بدر الصحابة ألف والرواحل ثلاثمئة، قال: كل ثلاثة على راحلة وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، قائد الجيش، زعيم الأمة، رسول الله يسوي نفسه مع جندي، ركب النبي عليه الصلاة والسلام، وانتهت نوبته في الركوب، وجاء دور أصحابه في الركوب، فتوسل إليه صاحباه أن يبقى راكباً، فقال: "مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا".
أبعد قلب عن الله القلب القاسي ومؤشر إيمان الإنسان رحمته بمن حوله:
أيها الأخوة الكرام، اتصل بالله، إذا اتصلت بالله الصلة التي أرادها الله يغدو قلبك رحيماً، ترحم من حولك، فإذا رحمت من حولك أحبك من حولك، وإذا أحبك من حولك، التف حولك من حولك، هذه الآية يحتاجها كل إنسان؛ أب، أم، معلم، رئيس دائرة، مدير مستشفى، مدير جامعة، يحتاجها أي إنسان ولاه الله على عشرة:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
لذلك ورد في الحديث القدسي:
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
[الديلمي عن أبي بكر]
ارحم هرة، ارحم أي مخلوق:
(( دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت ؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ))
[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عن ابن عمر]
فكيف بمن يقطع الغذاء عن مليون ونصف كيف ؟
(( دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت ؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ))
[ مُتَّفَقٌ عَلَيْه عن ابن عمر]
أما عالم بأكمله ثلاثمئة دولة في العالم يرون أن هؤلاء في غزة محاصرون من كل الأطراف، عرباً وغير عرب، وأن جدراً فولاذية تبنى لسد الأنفاق، من أجل أن يموتوا من الجوع، دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت ؛ لا هي أطعمتها و لا هي تركتها تأكل من الأنفاق مثلاً، إله عظيم، ارحم عباد الله حتى يرحمك الله عز وجل، هل هناك واحد منا ليس له ولاية على واحد ؟ عندك ابن ارحمه، عندك خادمة ارحمها، عندك موظف ارحمه: "إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي" ، أبعد قلب عن الله القلب القاسي، اعتقد يقيناً أن مؤشر إيمانك رحمتك بمن حولك، مؤشر إيمانك:
((إنما أنا رحمة مهداة ))
[ أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، إنسان أراد أن يجاهد مع رسول الله قال له: ألك والدان ؟ قال: نعم، قال: فيهما فجاهد.
كم هو حق الأب والأم عليك؟ منعه أن يجاهد ليبر أمه وأباه، في رمضان كان النبي مع أصحابه في الجهاد والحر لا يحتمل، دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس جميعاً إليه ثم شرب، ولما قيل له: إن بعض الناس لا يزال صائماً، بماذا وصفهم؟ قال: أولئك العصاة، لأنه بقي صائماً عدّه النبي عاصياً، لأنه لم يرحم نفسه، والله سمح لك بالسفر والمشقة التي لا تحتمل أن تفطر، فما سمى هؤلاء ورعين، أولئك العصاة.
من لا يَرحم لا يُرحم:
أيها الأخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( من أنظر معسراً أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله))
[ أحمد و الترمذي عن أبي هريرة ]
لك مبلغ مع شخص، وأنت وضعك المادي جيد جداً، والشخص ليس كذاباً، وليس محتالاً، لكنه لا يملك المال، و أنت معك سند، والدعوى جاهزة، وعندك محام موظف أي إنسان لم يدفع تحوله إلى القضاء:
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 280 ]
الذي لا يَرحم لا يُرحم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته، فليفرج عن معسر))
[ أحمد عن ابن عمر]
من أحكم اتصاله بالله اشتق من هذا الاتصال رحمة يتقرب بها إليه:
الذي يرقى بك أيها المسلم ان تحرص على دين أولادك
أيها الأخوة، الحديث عن رسول الله طويل، حياته كلها رحمة، واعتقد يقيناً أن مؤشر إيمانك رحمتك بمن حولك، قريب أو غير قريب، الرحمة التي ترقى بها هي الرحمة العامة، أي هل من الممكن أن يصدر قرار من الحكومة يلزم المواطنين بتناول طعام الإفطار؟ شيء مضحك، لأن الحاجة إلى الطعام مودعة في كياننا كله، لذلك أنت حينما ترحم أولادك اعتقد يقيناً أن الله أودع في قلب كل أب وكل أم رحمة بأولادهما، فهذه الرحمة ليست كسبية لكنها رحمة فطرية، أنا لا أقول ليس لك عليها أجر لكن أجرها ضعيف جداً، لكن متى ترقى بأولادك؟ إذا عرفتهم بالله، إذا حملتهم على طاعته، إذا راقبت أخلاقهم، راقبت سلوكهم، أما أي أب وأي أم على وجه الأرض حريصون على سلامة أولادهم من الأمراض، وعلى تفوقهم بالدراسة، كل الآباء، أما الذي يرقى بك أيها المسلم أن تحرص على دين أولادك، وعلى أخلاق أولادك، وعلى إيمان أولادك، وعلى استقامة أولادك.
أيها الأخوة الكرام، ننتفع من إحياء ذكرى المولد إذا اقتدينا برسول الله، فأحكمنا اتصالنا بالله حتى نشتق من هذا الاتصال رحمة نتقرب بها إلى الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.
***
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أي مؤمن لا يطيع الله عز وجل يعد إيمانه كإيمان إبليس:
أيها الأخوة الكرام، هناك أوهام كثيرة بحياتنا يكون الإنسان على غير استقامة، على غير انضباط، وله معاص كثيرة، وله تطلعات لا ترضي الله، وله لقاءات لا ترضي الله، وله طريقة لكسب المال لا ترضي الله، ويدعي أنه مؤمن، الذي أتمناه عليكم أن تعتمدوا مقاييس دقيقة جداً للإيمان، أي مؤمن لا يطيع الله يعد إيمانه كإيمان إبليس، إبليس قال:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
[ سورة ص الآية: 82 ]
إبليس قال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 12 ]
إبليس قال:
﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
بحسب الآيات السابقة إبليس آمن بالله رباً وعزيزاً، آمن به خالقاً، آمن باليوم الآخر، وهو إبليس اللعين، فالإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا تعبأ به أبداً، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله والاستقامة على أمره لا تعبأ به أبداً، لا يقدم ولا يؤخر، لكن الإيمان الذي يثمر استقامة، وطاعة، والتزاماً، هو الإيمان الذي أراده الله في القرآن الكريم.