بسم الله الرحمن الرحيم
سارع بالمتاب قبل الممات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنها وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة ، فنظر إليها فحدث نفسه بشيء ثم قال: يا رب أنت أنت وأنا أنا ، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب ، وخر لله ساجدا ، فقيل له: ارفع رأسك فأنت العواد بالذنوب وأنا العواد بالمغفرة ، [ فرفع رأسه ، فغفر له ] .
سلسة الأحاديث الصحيحة المجلد السابع 2
أبعث بهذه الرسالة إلى إخواني ممن سجد لله تعالى ولو سجدة واحدة يوما من عمره ، إلى كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، إلى كل من هداه الله تعالى إلى جادَّة الصواب إلى الطريق المستقيم وذاق طعم الإيمان بالصيام والقيام في رمضان ، إلى كل محب لله وللرسول ، إلى كل ساعي لمغفرة ورحمة ورضوان من الملك الديان ، ودخول الجنان والزواج من الحور الحسان بفضل ومنَّة من الحنَّان المنَّان ، أقدِّم هذه الكلمات .
وهي عبارة عن وصية أوصيكم بها وأذكر بها نفسي أولاً وإياكم وأستحلفكم بالله أن استمروا في طاعة الله وعبادته ولا ترتدوا على أعقابكم ولا ترجعوا إلى سابقة عهدكم قبل رمضان من ترك للصلاة وسماع الأغاني والألحان ومشاهدة الأفلام وترك القيام والتطوع من الصيام بعد أن تذوَّقتم طعم الإيمان .
وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا )) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
أخي في الله يا من خرجت من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة يا من عبدت الله في رمضان أسألك بالواحد الديان ألا تعود إلى الظلمة بعد أن منَّ الله عليك بالنور ، يا من وجدت حلاوة الإيمان أسمع لقول النبي العدنان : (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )) رواه البخاري ومسلم عن أنس .
وأسألك بالله العظيم أن لا تحرم نفسك من أن يتبشبش الله في وجهك بإقامة الصلوات وحضور الجماعات ، بهذا أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله : (( ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم ))
رواه ابن ماجه عن أبي هريرة – والتبشبش : هو الشدة في الفرح كفرحة أهل الغائب بغائبهم إذا عاد إليهم بعد غياب طويل - .
وإذا أحببت أخي في الله أن تتعرف أكثر عن مدى فرح الله بتوبة عبده إليه استمع لهذا الحديث على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : (( لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله تعالى قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته .
رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم " فاستيقظ إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي و أنا ربك ! أخطأ من شدة الفرح "
فيا أخي لا تحرم نفسك من هذا الفرح العظيم من الرحمـن الرحيم فإنَّك لا تدري لعلَّك تكون ممَّن يضحك لهم علاَّم الغيوب فتكون ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، استمع لحبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول : (( … وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه ))
رواه أحمد وأبو يعلى وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
فهو سبحانه : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } (غافر:3) . وهو سبحانه : (( يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )) رواه مسلم والنسائي .
وهو سبحانه القائل في حديثه القدسي : (( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني رواه مسلم عن أبي ذر )) .
أخي في الله اعلم أنَّ الله تعالى سنَّ في خلقة سنَّها عليهم ، سنَّة لا تتبدل ولا تتغيَّر وإن من سنته ما أخبر به سبحانه من قوله تعالى : { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:123- 126) .
حيث سنة الله في خلقه اقتضت أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإن حياتكم لا تتقلَّب ولا تتغير إلا بتقلبكم وتغيركم ، قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (لأعراف:96)
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } (النحل:112)
أخي في الله اعلم وإنَّ من سنن الله تعالى التي سنها وأجراها على خلقه ، أن جعل المعاصي سبب كل عناء ، وطريق كل تعاسة وشقاء ، ما أحلَّت في ديار إلا أهلكتها ، ولا فشت في مجتمعات إلا دمَّرتها وأزالتها ، وأما أهلك الله تعال أمة من الأمم إلا بذنب ، وما نجا وتاب إلا بتوبة وطاعة ، فإنَّ ما أصاب الناس من ضر وضيق في كل مجال من المجالات فردياً كان أو جماعياً ، هو بسبب معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل ونسيانهم شريعته .
وكتاب الله تعالى خير شاهد ، فقد عمَّ قوم نوح الغرق ، وأهلكت عاداً الريح العقيم ، وأخذت ثمود الصيحة ، وقُلِبَت قرى قوم نوح عليهم ، قال سبحانه وتعالى : { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (العنكبوت:40)
إنَّ أضرار المعاصي ، وشؤم الذنوب عظيم وخطير ؛ فهي موجبة للذل والحرمان ، جالبة للصد عن سبيل الرحمـن ، تورث الهوان ، هكذا قضى الملك الديان ،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم )) رواه ابن ماجه واللفظ له والبزار والبيهقي وهو صحيح .
و عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اختلج عرق و لا عين إلا بذنب و ما يدفع الله عنه أكثر )) صحيح الجامع الصغير
إذاً فالمعصية جعلها الله سبحانه وتعالى سبب كل شقاء وبلاء ، كما جعل الله تعالى الطاعة سبب كل رخاء وهناء ،
فالمعصية إذاً تزيل النعم وتحل النقم . فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلَّ فيه نقمة إلا بذنب . قال سبحانه وتعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) رواه ابن ماجه عن أنس وهو حسن.
ولهذا أيضاً الحق جلَّ وعلا في علاه يذكرنا ممَّا أنزلنا إلينا من القرآن بكثير من الآيات ويوصينا دائماً بكثرة الاستغفار والتوبة ، فقال سبحانه : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً { ( نوح: 10- 12) .
وقال سبحانه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(النور: من الآية31) )
وقال سبحانه : { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المائدة:74) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا و لو كان له واديان لابتغى لهما ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب الله على من تاب )) متفق عليه عن أنس
وقال أيضاً : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) رواه ابن ماجه وهو حسن.
وقال أيضاً : (( لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم )) رواه ابن ماجه عن أبي هريرة انظر صحيح الجامع الصغير .
فيا أخي سارع إلى التوبة وداوم على العمل الصالح ولا تسوف التوبة ولا تقل أنا أتوب إلى الله في رمضان ، فهل عندك علم من الله أنك ستعيش إلى رمضان القادم ، أم لك عند الله عهد بأن يخر عنك ملك الموت حتى تتوب ، فوالله الذي لا إلـه غيره لا يضمن الواحد منَّا إن صلى الظهر أن يبقيه الله حتى يصلى العصر أو حتى ينتهي من صلاة الظهر ، فالأعمار بيد الملك الديان وكل شيء عنده بمقدار .فإياك وتأخير التوبة والإنابة إلى الله تعالى فإن تأخير التوبة توجب قسوة القلب والبعد عن الله
فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( إن العبد إذا أخطاء خطيئة نكتت في قلبه نكته سوداء فإن هو نزع و استغفر و تاب صقل قلبه و إن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه و هو الران الذي ذكر الله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )). رواه الترمذي عن أبي هريرة .
قال تعالى : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون }َ (البقرة:81) . ولهذا علَّقَ الله سبحانه وتعالى التوبة بالإستغفار وعدم الإصرار ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)
وقال صلى الله عليه وسلم : (( … ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا و هم يعلمون ))
رواه أحمد عن ابن عمرو . صحيح الجامع الصغير
أخي في الله إذا كانت محقِّرات الذنوب أي صغائرها إن اجتمعت على رجل أهلكته ، فكيف بالكبائر ، فكيف بترك الصلاة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون ))