الجيران اقرب اليك من اقاربك ولهم حق عليك فتعالى نعرف ونتعلم نفعنا الله جميعا وجعلنا من البارين بالمسلمين جميعا خطب الشيخ عبد الله القرعاوي
حق الطريق
الحمد لله الحليم العظيم ، أحمده سبحانه وهو الرب الرءوف الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ، صاحب النهج القويم ، والخلق الكريم ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أن الطرق في الإسلام وسائل إرفاق وتوسعة وتيسير على الناس في مجتمعاتهم ، ومن عظمة هذا الدين الخالد والشرع الفاضل أن حوت تعاليمه وقيمه ومبادئه كلما من شأنه أن يوفر للمجتمع السعادة و الراحة والطمأنينة، حتى ينقاد الناس لربهم بالطاعة ويفردوه بالعبادة فالطريق في الإسلام واحد من مرافق المسلمين العامة التي شملتها تعاليمه، فحددت آدابه ونظمت مجالسه وبينت حقوقه وحقوق المارين به في أدب رفيع وسمو في الأخلاق أصيل، وبين في أحاديث كثيرة أن الإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وأنها من محاسن الأعمال وجميل الخصال ومكارم الأخلاق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن) رواه مسلم ( )
وقال صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس رواه مسلم ( )
وفي رواية لمسلم قال: مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال : والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة ( )
وفي لفظ للترمذي والبخاري في الأدب المفرد أنه صلى الله عليه وسلم قال: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ،وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة )( )
عباد الله :
وإذا كان هذا الثواب العظيم لمن يكف الأذى عن المسلمين في طرقاتهم، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم ومرافقهم العامة ويجلب المستقذرات لا سيما بين الجيران وينشر المخلفات في أماكن استظلالهم وجلوسهم ، إن هذه العقوبة يبينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : من آذى المسلمين في طرقاتهم وجبت عليه اللعنة رواه الطبراني بسند صحيح ( )
وعند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)( )
ولقد وجه الإسلام إلى الأدب الرفيع في المشي في الطرقات بسكينة ووقار ، هونا من غير تكلف ولا تصنع ولا كبر ولا خيلاء مع قصد الصوت وطيب الكلام ورد السلام على من فيها قال تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}[الفرقان/63]
يعين ذا الحاجة ويدل الضال وينصر المظلوم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا يحتقر صغيرا ولا يسيء لكبير ولا يهزأ من أحد ولا يسخر من ذي صنعة ومن سنن الطريق إفشاء السلام على من فيه من الناس، فهو دليل على المحبة المطلوبة بين المسلمين وعنوانا للأخوة والألفة بينهم وسبب لحصول الأجر والمثوبة من الله
قال صلى الله عليه وسلم : لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم عل شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم ( )
وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يخرج إلى الأسواق لإفشاء السلام على المسلمين كسبا للأجر والثواب ، وإن من المؤسف أن تفقد أسواق وطرقاتهم ومجتمعاتهم من هذا الأدب الإسلامي فيمر بعضهم على بعض بدون سلام بل لا يسلم أحدهم إن سلم إلا على من عرفه وبعبارات ملفقة بعيدة عن تعاليم الإسلام وألفاظه من السلام الشرعي الذي أرشد إليه الإسلام .
عباد الله :
وإذا كانت بعض النفوس قد تعودت على الجلوس في الطرقات فإن آداب الإسلام تنهى عن ذلك قبل وقوعه، لما فيه من ذهاب المروءة وضعف الهمة لكنه إذا كان لا بد من ذلك فإن على الجالس في طريق المسلمين أن يتأدب بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : إياكم والجلوس في الطرقات قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حقه قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متفق عليه( )
عباد الله :
وإن من أقبح الأفعال في ذلك ما يفعله بعض ضعفاء الإيمان الذين لا يحلوا لهم الكلام ولا يطيب لهم الجلوس والمرور إلا في أمكنة تجمع النساء في الأسواق ولقد سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى {وتأتون في ناديكم المنكر}[العنكبوت/29] فقال : كانوا يخذفون أهل على الطريق ويسخرون منهم فذلك المنكر الذي كانوا يأتون .( )
عباد الله :
وقد نص فقهاء الإسلام رحمهم الله في مدونات الفقه على أحكام الطرقات والمرافق ومن جملة ما بينوه في ذلك أنه لا يجوز مضايقة المسلمين في طرقاتهم بل يجب إفساح الطريق وإماطة الأذى عنه، ولا يجوز أن يحدث المرء في ملكه ما يضايق طريق المسلمين كأن يبني فوق الطريق سقفا يمنع مرور الركبان والأحمال أو يبني دكة للجلوس عليها يتضرر بها الطريق أو يرفع أرض منزله ويجعل له درجا خارج سوره أو مرقا لسيارته يتضرر به الجيران أو المارة ، ولا يجوز له أن يتخذ موقفا لسيارته بطريق المارة لأن ذلك يضيق الطريق ويسبب الحوادث ، كما لا يجوز لصاحب الدكان أن ينشر بضاعته خارج محله لما في ذلك من الاستيلاء على طريق المارة ولما يسبب ذلك من الزحام واحتكاك الرجال بالنساء في أسواق النساء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا يجوز لأحد أن يخرج شيئا في طريق المسلمين من أجزاء البناء حتى إنه ينهى عن تجصيص الحائط إلا أن يدخل رب الحائط منه في حده بقدر غلظه.
ويمنع في الطريق العام الغرس والبناء والحفر ووضع الحطب والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وغير ذلك مما فيه ضرر على المارة وعدا كله مما حرمه الإسلام وأمر بالابتعاد عنه فقد قال صلى الله عليه وسلم : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه ) متفق عليه ( )
وقال صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه( )
وإذا كان الإسلام يطالب بإزالة النجاسة والأذى الحسي عن الطريق، فإن إزالة الأذى المعنوي عنه من أعظم القربات عند الله وذلك بكف الأذى وغض البصر عن تتبع عورات المسلمين وتصيد غفلاتهم وعدم التعرض لهم ولنساءهم فيه بأي أذى قال تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}[الأحزاب/58]
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واعلموا أن من أذية المسلمين في الطريق مخالفة بعض سائق السيارات لأنظمة المرور وأصول القيادة، كالتهور في السرعة وعدم التزام خط السير وقطع إشارة الوقوف أو الوقوف في الأمكنة التي يمنع الوقوف فيها أو قيادة السيارة وهو في حالة لا يتمكن من ضبط القيادة كما ينبغي كمن يغالبه النعاس ، وجميع هذه الأحوال تعرض الإنسان وتعرض غيره للخطر فيجب تلافيها والحذر منها فكم نجم عن هذه الأحوال من حوادث ذهبت فيها أنفس كثيرة محترمة أو تعطلت فيها أعضاء وتعيبت فيها أجسام وتعطلت فيها حواس ، وغالب ذلك راجع إلى تفريط بعض السائقين أو تهورهم أو جهلهم بأصول القيادة أو تهاونهم بأرواح الناس
عباد الله :
إن مسؤولية هذه الحوادث وما ينجم عنها من الأضرار من تلف الأموال والأنفس يتحملها هؤلاء السائقون ومن يُمَكنهم من قيادة السيارات وهم لا يحسنونها، إن السيارات بمثابة الأسلحة الفتاكة لا يجوز أن يتولاها إلا من يحسن استعمالها والتصرف فيها ويجب الحذر من التلاعب بها والتساهل في شأنها، فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي إخوانكم واحترموا حقوق المسلمين واجتنبوا أذيتهم والإضرار بهم، قال الله عز وجل: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [النساء/93]
عباد الله :
{إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب/56]وأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم ربكم بها أجرا فقد
قال صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا)( )
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبن الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واحمي حوزة الدين
اللهم إنا نعوذ بك من شر اليهود والنصارى والرافضة
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم
اللهم خالف بين كلمهم واجعل بأسهم بينهم شديد
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين
اللهم وأنج المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات في كل مكان من أرضك يا رب العالمين
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا يا ذا الجلال والإكرام
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اصرف عنا وعن جميع المسلمين شر ما قضيت
اللهم ألطف بنا وبالمسلمين في قضائك وقدرك
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأولادنا ولأزواجنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء والأموات
اللهم نور على أهل القبور من المسلمين والمسلمات قبورهم
اللهم واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم
اللهم تب على التائبين فاغفر ذنوب المذنبين واقضي الدين عن المدينين واشف مرضى المسلمين واكتب الصحة والسلامة والعافية والهداية والتوفيق لنا ولكافة المسلمين في برك وبحرك أجمعين
عباد الله :
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .