لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع
قال أحدهم: يُروى أنَّ عجوزاً حكيماً كانَ يسكُنُ في إحدى القرى الريفيةِ البسيطة، وكان أهل هذه القرية يثقونَ به وبعلمهِ، ويثقون في جميع إجاباتِه على أسئلتهم ومخاوفهم.
وفي أحد الأيام ذهب فلاح مِن القرية إلى هذا العجوز الحكيم، وقال له بصوت محموم:
أيها الحكيم، ساعدني، لقد حدثَ لي شيء فظيع، لقد هلكَ ثوري وليس لدي حيوان يساعدني على حرثِ أرضي، أليس هذا أسوأ شيءٍ يُمكن أن يحدث لي.
فأجاب الحكيم: ربما كان ذلك صحيحاً، وربما كان غير ذلك.
فأسرع الفلاّح عائداً لقريته، وأخبر الجميع أن الحكيمَ قد جنّ، بالطبع كان ذلك أسوأ شيءٍ يُمكن أن يحدث للفلاّح، فكيف لم يتسن للحكيم أن يرى ذلك.
إلا أنه في اليومِ ذاته، شاهد الناس حصاناً صغيراً وقوياً بالقربِ مِن مزرعةِ الرجل، ولأنَّ الرجل لم يعد عِنده ثور لِيعينه في عملِهِ، راقت له فكرة اصطياد الحصان ليحل محل الثور وهذا ما قام به فعلاً.
وقد كانت سعادة الفلاح بالغة، فلم يحرث الأرض بمِثلِ هذا اليسر من قبل، وما كان مِن الفلاّح إلا أن عاد للحكيم، وقدّم إليه أسفه قائلاً:
لقد كنت محقاً أيها الحكيم، إنَّ فقداني للثور لم يكن أسوأ شيءٍ يمكن أن يحدث لي، لقد كان نعمة لم أستطع فهمها، فلو لم يحدث ذلك لما تسنّى لي أبداً أن أصيد حِصاناً جديداً، لابد أنك توافقني على أن ذلك هو أفضل شيء يمكن أن يحدث لي.
فأجاب الحكيم: ربما نعم.. وربما لا.
فقال الفلاح لنفسه: لا.. ثانيةً.
لابدَّ أن الحكيم قد فقد صوابه هذه المرة.
وتارة أخرى لم يدرك الفلاّح ما يحدث، فبعد مرورِ بضعة أيامٍ سقط إبن الفلاح مِن فوق صهوة الحصان فكُسرت ساقه، ولم يعدْ بمقدوره المساعدة في أعمال الحصاد.
ومرة أخرى ذهب الفلاّح إلى الحكيم وقال له:
كيف عرفت أن اصطيادي للحصان لم يكن أمراً جيداً؟ لقد كنت أنت على صواب ثانية، فلقد كسرت ساق ابني، ولن يتمكن مِن مساعدتي في الحصاد. هذه المرة أنا على يقين بأن هذا أسوأ شيءٍ يُمكن أن يحدث لي، لابد أنك توافقني هذه المرة.
ولكن، وكما حدث مِن قبل، نظر الحكيم إلى الفلاّح وأجابه بصوتٍ تعلوه الشفقة:
ربما نعم، وربما لا..
استشاط الفلاّح غضباً مِن جهل الحكيم، وعاد مِن فوره إلى القرية، وهو غير مدركٍ لما يقصده الحكيم من عبارته تلك.
في اليوم التالي، قدم الجيش واقتاد جميع الشباب والرجال القادرين للمشاركة في الحرب التي اندلعت للتو، وكان ابن الفلاح الشاب الوحيد الذي لم يصطحبوه معهم لأنَّ ساقه مكسورة. ومِن هنا كتبت له الحياة في حين أصبح مصير الغالبية من الذين ذهبوا للحرب أن يلقوا حتفهم.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. سورة البقرة آية 216