مقدمات الجماع
لمس المرأة الحلال وتقبيلها وما يشبهها إذا كان بغير شهوة فلا شيء فيه ، لا حرمة ولا فدية... وإن كان ذلك بشهوة قبل التحلل الأصغر ، فعليه فدية ، ويعتبر آثما إن كان عامدا ، وأما بين التحللين : الأصغر والأكبر فإنه إذا حدث شيء من ذلك أو حدث مباشرة في غير الفرج فإن الفقهاء اختلفوا ، فمنهم القائل بالتحريم ، وعليه شاة فقط إن لم ينزل ، وكان مختارا عامدا عالما بالتحريم .
وكذلك الحكم إن أنزل عند الأحناف والشافعية ، وقال مالك : إن أنزل فسد نسكه وعليه القضاء وبدنة ، وهي رواية عن أحمد ، ومن الفقهاء من يقول : ليس بحرام فعله بين التحللين .
وابن حزم له في القبلة واللمس والمباشرة رأي خالف فيه جمهور الفقهاء ، فقال : مباح للمحرم أن يقبل امرأته ، ويباشرها ما لم يولج لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث ، والرفث هو الجماع فقط ، ولا عجب أعجب ممن ينهى عنه ذلك ولم ينه الله عنه ولا رسوله عليه الصلاة والسلام قط... وقد وافقه سعيد بن جبير وعطاء وأبو الشعثاء جابر بن زيد . وقال : ولم يصح فيمن نظر فأمذى أو أمنى عليه دم .
الجناية على الطواف والسعي وغيرهما
سبق الكلام على شروط الطواف وعرفنا أن الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر وطهارة الثوب والبدن والمكان من شروط الصحة ، فلو طاف مخلا بشرط فإن الطواف يفسد ولا يصح ، وإذا فسد الطواف فسد السعي الذي حصل بعده لأن السعي لا يصح إلا بعد طواف صحيح . وللأحناف كلام كثير في هذا المجال لا نجد داعيا لإطالة فيه .
وتقدم الكلام في السعي وشروطه ، وفي عرفة والمزدلفة ، وقد عرفنا من قبل حكم ترك ركن من أركان الحج أو العمرة ، وعلينا أن ندرك أن كل شيء قيل فيه : إنه واجب عند أبي حنيفة أو أحمد فإن الإخلال به يجب فيه دم ، وقد فصلت ذلك بما يكفي عند الكلام على كل واجب من الواجبات .
الجناية على الصيد ونحوه
الجناية على الصيد تكون بالاعتداء على ما نهانا الله تعالى أن نتعرض له من صيد البر سواء كان الاعتداء بالصيد أو بالأكل أو بكسر البيض إلخ.. وقد سبق التفصيل في محظورات الإحرام ، فمن كان محرما بحج أو عمرة أو بهما فقتل صيدا بريا ممتنعا متوحشا في الأصل ، ولو كان غير مأكول اللحم.. أو تسبب في قتله بدلالة عليه ولم يكن المدلول عالما به فعليه الجزاء المقدر لقتل ذلك الصيد ولو كان ناسيا إحرامه أو جاهلا الحكم أو مضطرا لأكله ،لأن الشارع ثبت أن أذن لنا في إزالة الأذى مع إلزامنا بالفدية في موضوع الذي أصيب رأسه بالهوام.. وفائدة الإذن من الله دفع الإثم ورفع الذنب عن الإنسان لا غير .
وعليه الجزاء لو ذبح أو صاد طيرا أو حيوانا مستأنسا أصله متوحش مثل الحمام والظبي والغزال .
والجزاء المطلوب على الصيد هو أن يغرم حيوانا مماثلا للذي صاده أو ذبحه . وهذه الغرامة تكون بشراء مثل الصيد والتصدق بلحمه ، أو بتقدير قيمته والتصدق بها على المساكين ، بأن يعطى كل مسكين مدا أو قيمته عند مالك والشافعي ، وأحمد يقول يعطي مدا من البر أو مدين من غيره ، أو يصوم عن نصيب كل فقير يوما ، فيصوم يوما عن كل مد حسبما ذكر.. ومحمد بن الحسن والأحناف يرون أن يعطي كل مسكين نصف صاع من البر ، أو صاعا من غيره .
ولكن نعرف الحيوان المماثل لما صاده وقتله أو ذبحه ، فإن عليه إحضار عدلين فى معرفة بقيمة الصيد (أي : قيمة ما يماثله) في موضع قتله ، أو في أقرب كان منه إن لم يعرف قيمته في مكانه.. ويفعل هذا ولو كان قد سبق أن الصحابة حكموا في الصيد الذي قتله .
وقال الشافعي وأحمد : لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل له ، ولم يحكم فيه السلف . وعلى هذا ففي الضبع شاة ، وفي الغزال عنز ، وفي الأرنب عناق ، وفي اليربوع جفرة ، وفي النعامة بدنة ، وفي الحمار الوحشي بقرة ، بذلك حكم عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وإذا لم يكن للصيد مثيل اعتبرت القيمة حسب شهادة عدلين خبيرين .
أحق المساكين بجزاء الصيد
إذا قوم الصيد وأراد شراء مثله أو شراء طعام بقيمته للتصدق به ، فإن المساكين الذين يستحقون هذه الصدقة هم مساكين الحرم عند الشافعية والحنابلة..
ومحمد بن الحسن يقول : يتصدقا به على أهل المكان الذي حصلت فيه جريمة الصيد ولو كان من الحل ، فإن لم يكن به مساكين فعلى أقرب مكان إليه .
وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان : إن اشترى بالقيمة هديا فلا بد من ذبحه في الحرم فلو ذبحه في الحل لا يخرج عن العهدة إلا إذا أعطى كل مسكين ما يساوي قيمة صدقة الفطر (نصف صاع من بر أو صاعا من غيره) .
أما إن اشترى بالقيمة طعاما مما يجزئ في صدقة الفطر فإن له أن يتصدق به في أي مكان ، ولو في بلده ، بأن يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير إلخ ، أو يصوم عن نصيب كل مسكين يوما في أي زمان وفي أي مكان .
جزاء لبن الصيد وبيضه
من شرب لبن صيد أو كسر بيضه فإن عليه قيمة اللبن والبيض يتصدقا بها على المساكين ؛ كل مسكين يعطى مثل الواجب على كل فرد في صدقة الفطر ، فإن لم يجد صام يوما عن كل مسكين وإن كان البيض فاسدا فلا شيء فيه .
وإن خرج منه فرخ ميت لزمه قيمته حيا ، ولو ضرب المحرم صيدا فحدث به عيب ولم يمت ضمن ما نقص..
ومن قتل صيدا لا يؤكل لحمه ولا يحل له قتله فعليه الجزاء بحيث لا يزيد على شاة أو كبش .
ولو ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يحل له ولا لغيره أكله ، ولو أكل منه لزمته قيمة ما أكل عند أبي حنيفة ، وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد : لا جزاء عليه بأكله لأنه ميتة وعليه الاستغفار .
ويحرم بيع المحرم صيدا حيا أو ميتا ويبطل هذا البيع كما يبطل ويحرم الشراء