الهدي وجميع أحكامه
الهدي في اللغة وفي الشرع اسم لما يهدى إلى الحرم من النعم قربة إلى الله تعالى ، فهو لا يكون إلا من الإبل والبقر والغنم بالإجماع ، وترتيبه في الفضل كترتيبه في الذكر فالإبل أفضل من البقر ، والبقر أفضل من الغنم باتفاق العلماء .
ولا يجزئ من النعم إلا الثني : والثني من الغنم ما له سنة ودخل في الثانية ، وأجازوا الجذع من الضأن ، وهو ما تم له ستة أشهر ، وكان سمينا . والثني من البقر والجاموس ما له حولان ودخل في الثالث ، والثني من الإبل ما له خمس سنين ودخل في السادسة ، وهذا هو رأي أكثرية الفقهاء ، وقال المالكية : الثني من البقر والجاموس ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة .
وقال الشافعية : الثني من المعز ما له سنتان ودخل في الثالثة .
ولا يجزئ في الهدي ما لا يجزئ في الأضحية ، وهو مقطوع أكثر الأذن أو الذنب ، لأن للأكثر حكم الكل ، ولا يجزئ العمياء والعوراء ، والعجفاء (المهزولة حتى ذهب مخها من الهزال) ولا تجزئ العرجاء التي لا تمشى برجلها المعيبة إلى مكان الذبح ، لأن هذه العيوب كلها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تمنع الإجزاء (اقرأ الأضحية المعيبة) .
الدماء الواجبة في الإحرام
الدماء الواجبة في الإحرام ثمانية :
(1) دم التمتع .
(2) دم القران : وهو شاة ، أو ناقة ، أو بقرة ، أو سبع الناقة ، أو سبع البقرة .
(3) دم الإحصار وهو شارة تذبح في الحرم وسيأتي .
(4) دم الفوات وهو واجب عند الجمهور خلافا للأحناف ، وسيأتي .
(5) الدم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك .
(6) الدم الواجب بارتكاب محظور غير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة .
(7) الدم الواجب بالجماع في النسك .
(
الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره .
ما تلزم فيه بدنة
تجزئ الشاة وتكفي في كل جناية ونذر إلا في أربعة فإنها لا يجزئ فيها إلا البدنة وهي إذا طاف طواف الزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء أو جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق ، أو نذر بدنة .
إشعار الهدي وتقليده
بعض الحجاج يسوق معه الهدي عند العمرة أو الحج مقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم وموافقين لكثيرين من الفقهاء القائلين بذلك . والبعض الآخر يشتري هديه من الحل أو الحرم ، وأكثر الناس كانوا يأخذون الهدي إلى عرفة ليوقفوه بها ، وأيا كان الأمر فإن الذي يسوق هديه معه كان يشعره أو يقلده ، وقد كان ذلك قديما في العرب ، لأن حيوان الأنعام إذا أشعر أو قلد فإن الناس يفهمون أنه مهدى للحرم (أي : لفقرائه) فلا يتعرض له أحد - ولو رعى وحده أو مشى وحده - كما أنه بذلك لا يختلط بغيره ، وإن ضل عرف .
والإشعار هو ضربة بمحدد تشق سنام الجمل حتى يلطخ بالدم ، وكذلك يفعلون بالبقر إن كان له سنام .
وأما التقليد فهو أن يجعل في عنق الناقة ، أو البقرة ، أو الشاة قطعة من الجلد ، أو نعلا أو نحوها مما يشعر بما ذكر حسب العرف .
فمن أحرم ومعه الهدي فإنه يسن له الإشعار والتقليد من الميقات ، ومن بعث هديا إلى البيت الحرام ليذبح عنده فإنه ينبغي أن يقلد الهدي ويشعره من بلده ، ثم يرسله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ بـعث بهديه مع أبي بكر سنة تسع من الهجرة .
ويستوي أن يكون الإشعار في الصفحة اليمنى أو في الصفحة اليسرى .
ما يطلب في الهدي
من اشترى هديا لذبحه في الحرم ، أو ساقه من بعيد لذلك فإنه يطلب منه الآتي : أن يختار السمين ، وأن يتصدق بجلاله (غطائه) ومرفقاته على مساكين الحرم ، وأن ينحر هديه بيده إن أمكنه وإلا فليشهد ذبحه ، وأن يوجه الذبيحة جهة القبلة إن استطاع ذلك ، ويقول عند الذبح ما قاله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : باسم الله والله أكبر
ويستحب نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
أما البقر والغنم فيستحب ذبحها مضطجعة على جنبها الأيسر مرسلة رجلها اليمنى مشدودة القوائم الثلاثة.. فإن نحر ما يذبح ، أو ذبح ما ينحر جاز مع الكراهة ، وقال أحمد : لا يكره.. ومن أناب غيره ليذبح عنه فإن عليه أن يتأكد من أنه يعلم كيفية الذبح .
ويجوز الانتفاع بالهدي بالركوب والحمل عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معه ناقة وقد جهده المشي فأمره بركوبها ، وكانت هديا . وإن عطب الهدي الواجب أو تعيب عيبا فاحشا يمنع جوازه لو كان أضحية لزمه غيره لوجوبه عليه ، وإن خشي هلاكه ذبحه أو نحره ولطخه بدم ليعلم أنه هدي فلا يأكل منه إلا الفقراء .
وقت ذبح الهدي قال مالك وأحمد : يختص ذبح الهدي ولو تطوعا بأيام النحر الثلاثة ، والصحيح عند الشافعي أن وقت ذبح الهدي يوم النحر وأيام التشريق ، وقيل : لا يختص ذبحه بزمان مثل دماء الجبران ، وقال الأحناف : هدي التمتع والقران يذبح أيام النحر ودم النذور والكفارات والتطوع لا يختص ذبحه بوقت وعليه : إذا فات وقت ذبحه - وهو واجب - فإن الواجب ذبحه في أي وقت ، ويصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته ، فأما التطوع فهو مخير فيه ، فإن فرق لحمه كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم .
وللشافعية تفصيل حسن إذ يقولون : إذا كان الهدي للتمتع أو القران فوقت وجوبه الإحرام بالحج ، ووقت استحباب ذبحه يوم النحر ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ووقت جواز ذبحه بعد الفراغ من العمرة والإحرام بالحج ، لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصلاة والصوم ، وعندهم قول بجواز الذبح بعد العمرة للمتمتع ، ولكنه خلاف الأولى .
مكان الذبح
يختص ذبح الهدي ولو تطوعا بالحرم في أي موضع منه ؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل عرفة موقف . وكل منى منحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر أبو داود وابن ماجة .
والأفضل أن يكون الذبح بمنى عند الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف ، حيث نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأفضل بالنسبة للمعتمر أن يذبح في المروة لأنها موضع تحلله وجائز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم باتفاق العلماء ، فكل أرض الحرم صالحة للذبح فيها .
الاشتراك في الهدي
الشاة تجزئ عن واحد في الهدي وفي الأضحية ، ومثلها المعزى ، أما البدنة - أي : الناقة أو البعير- وكذا البقرة فإنها تجزئ عن سبعة لقول جابر رضي الله عنه حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة أحمد ومسلم وجمهور العلماء على أن اشتراك السبعة في الناقة أو البقرة جائز سواء أكان الكل يريد القربة أم كان البعض يريدها والبعض يريد اللحم... والأفضل ما كان أكثر نفعا للفقير سواء أكان شاة أم اشتراكا في بقرة أم جمل .
إبدال الهدي
اختلف الفقهاء في جواز إبدال الهدي بعد شرائه وتعيينه ، سواء أكان هديا واجبا كهدي النذر والقران والتمتع والجنايات ، أم كان هدي تطوع .
فالأحناف لا يجوز عندهم إبدال هدي التطوع لأنه يصير متعينا بتعيينه وتحديده ، أما الهدي الواجب فيجوز إبداله .
وقالت المالكية : إن قلد الهدي أو أشعره ، وكان منذورا بعينه لا يجوز تبديله ، وإلا جاز .
وقالت الشافعية : للمهدي التصرف في هدي التطوع بالأكل والبيع والتبديل ونحوها ، ولو قلده وأشعره ، لأنه لم يوجد منه إلا مجرد نية ذبحه على سبيل الهدي وهذه النية لا تزيل الملكية ، وكذلك لو كان واجبا في ذمته وعينه بغير نذر ، مثل أن يقول : جعلت هذا عما في ذمتي... أما لو عينه بالنذر كان قال : دله علي أن أذبحه عن الدم الواجب في ذمتي ، ونذر هدي حيوان معين ، فان ملكه يزول عنه ويصير حقا للمساكين فلا يجوز له التصرف فيه ببيع أو هبة أو إبدال .
وقالت الحنابلة : إن أوجب الشخص على نفسه هديا بقوله أو بتقليده ، أو إشعاره ناويا الهدي جاز له إبداله بالأحسن منه ، وأما إذا تطوع به فلا يلزمه إمضاؤه ، وله نماؤه وأولاده والرجوع فيه ما لم يذبحه .
(هذا) ومن لزمته بدنة ولم يجدها فله ذبح سبع شياه بدلها ، بذلك جاء نص .
مصرف الهدي
قال تعالى في الهدي : فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر .
فالمستحب هو الأكل من الهدي والتصدق منه على مساكين الحرم سواء كان هدي تمتع أو قران أو تطوع ، لأن المطلوب في ذلك هو الإراقة .
هذا في هدي الحرم ، وأما إذا ذبح في غير الحرم فإن الواجب عليه التصدق بالكل على الفقراء ، وليس للذابح ولا للغني الأكل منه ، وما أكله يغرمه للفقراء .
أما هدي غير التمتع والقران والتطوع فلا يحل الأكل منه عند الأحناف والحنابلة ، لأنه دم كفارة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلي بينه وبين الناس ليأكلوه ولم يبح لصاحبه الأكل منه . وعند مالك : لا يأكل من النذر والكفارة وجزاء الصيد ويأكل مما سوى ذلك .
وقال الشافعي : لا يجوز الأكل من الهدي الواجب إذا كان منذورا ، أو جبرانا (كفارة) ومن الجيران هدي القران والتمتع .
(هذا) والمستحب في هدي التطوع كالمستحب في الأضحية أن يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث عند أبي حنيفة لحديث كلوا وتزودوا ، وادخروا أخرجه الشيخان .
وقال الحنابلة : يأكل الثلث ، ويهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث : جاء ذلك في أثر لابن مسعود رضي الله عنه .
وقال الشافعي : يأكل النصف ويتصدق بالنصف .
وقالت المالكية : يأكل ويهدي ، ويتصدق بدون تحديد بثلث أو غيره .
التصرف في جلد الهدي ونحوه
يستحب التصدق بجلد الهدي وجلاله وخطامه ، ولا يجوز أن يأخذ الجزار أجره من الهدي ولا يجوز بيع جلده ولا شيء من أجزائه ، ولا ينتفع به في البيت ونحوه ، وجوزوا الانتفاع بجلد هدي التطوع .