كيفية الرمي
عرفنا أن الرمي نوعان : نوع يوم النحر ونوع في أيام التشريق . فالمطلوب يوم النحر رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، فإذا رماها بأية كيفية جاز ما دام قصد الرمي في المرمى قد وجد ، وما دام الحصى قد أصاب المرمى . ولكن يستحب أن يرمي على الوجه الأكمل الموافق للسنة ، وذلك بأن يقف الرامي في بطن الوادي (وهو شارع واسع الآن) قريبا من المرمى بحيث يراه ، جاعلا الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، ويمسك الحصاة بطرفي إبهامه وسبابته ، ثم يرميها حصاة حصاة ، كل حصاة في رمية مستقلة ، فلو رمى جميع الحصى في مرة حسب حصاة واحدة ، ولو رماه على مرتين حسب حصاتين فقط وهكذا .
ويكبر مع كل حصاة قائلا : باسم الله والله أكبر ترغيما للشيطان وحزبه ، اللهم اجعل حجي مبرورا ، وذنبي مغفورا وسعي مشكورا .
ويقطع التلبية مع أول حصاة ، ولا يقف عند جمرة العقبة بعد الرمي ، لأن ذلك لم يرد.. وفي اليوم الأول من أيام التشريق وهو الحادي عشر من ذي الحجة يبدأ برمي الجمرة الصغرى ، وهي التي في الشمال الغربي من مسجد الخيف ، فيرميها بعد الزوال بسبع حصيات متفرقات ، يكبر مع كل حصاة كما في رمي يوم النحر ، ثم يقف بعد تمام الرمي مستقبلا القبلة حامدا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو طويلا رافعا يديه حذو منكبيه مستغفرا لنفسه وأبويه والمؤمنين .
ثم يتوجه إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبلا القبلة رافعا يديه يدعو طويلا ، ثم يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ولا يقف عندها للذكر والدعاء لعدم وروده ، ولضيق المكان ولفراغه من رمي اليوم ، وما ذكر هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند رمي الجمار .
وفي ثاني أيام التشريق يرمي الجمرات الثلاث بنفس الطريقة التي رمى بها في اليوم الأول من أيام التشريق ويستحب التوجه إلى الكعبة عند رمي الصغرى والوسطى ، ويجعل الصغرى عن يساره والوسطى عن يمينه .
فإن أراد أن يتعجل فعليه أن يفارق منى قبل غروب الشمس من ثاني أيام التشريق فإن بقي حتى غربت وجب عليه أن يرمي الجمار الثلاثة ثالث أيام التشريق ، وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه ذلك إلا إذا بقى بمنى حتى طلع فجر اليوم الثالث منها ، فإن طلع عليه فجر اليوم الثالث وهو بمنى فإن عليه رمي الجمرات في ذلك اليوم ، لكن يجوز أن يرميها بعد الفجر من ثالث أيام التشريق ، وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد : لا يرمي في اليوم الثالث إلا بعد الزوال كاليومين قبله ، لأن الأحاديث جاءت بذلك .
ويشترط الترتيب بين الجمرات على الوجه السابق عند جمهور الفقهاء غير الحسن وعطاء وأبي حنيفة فإن الختار عنده أن الترتيب بين الجمرات سنة ، وقيل : واجب ، والترتيب أن يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ، ثم الكبرى .
النيابة في رمي الجمار
من كان مريضا لا يستطيع الرمي بنفسه ، أو ضعيفا والزحام شديد لا يستطيع أن يشقه ويرمي ، أو كان محبوسا لا يستطيع الرمي بنفسه ، أو ذا عذر يمنعه من مباشرة الرمي ، فإن له أن ينيب من يرمي عنه الجمرات ، وينبغي أن يكون النائب قد رمى عن نفسه قبل أن يرمي عن غيره فإن كان لم يرم عن نفسه ورمى مرة واحدة وقع الرمي عن نفسه ، ولو أناب إنسان غيره ليرمي عنه بسبب عذر ثم زال ذلك العذر بعد رمي النائب عنه ، ولا يزال الوقت باقيا فليس عليه إعادة الرمي ، وقال بعضهم : تسن الإعادة . هذا إذا رمى النائب قبل زوال العذر ، أما إن رمى في وقت كان عذر من أنابه قد زال فإن الرمي واجب على من زال عذره باتفاق العلماء .
ترك الرمي وتأخيره
من ترك الرمي كله حتى انتهت أيام التشريق فعليه ذبح شاة فدية . ومن ترك رمي يوم واحد أو ترك رمي أكثر الحصى فيه وجب عليه دم أيضا ، كأن ترك أربع حصيات يوم النحر أو ترك إحدى عشرة حصاة في يوم من أيام التشريق ، وهذا قول الأحناف وعطاء بن أبي رباح... وإن ترك الأقل في يوم من أيام الرمي فإن عليه بكل حصاة صدقة كصدقة الفطر ، صاعا أو نصفه ، إذا لم يبادر فيرمي ما فاته وقالت المالكية : إن ترك حصاة أو حصاتين فعليه دم .
وقالت الشافعية : من ترك حصاة من السبع حتى مضت أيام التشريق لزمه مد من طعام ، ومن ترك اثنتين فعليه مدان ، ومن ترك ثلاثة فأكثر فعليه دم .
وإن ترك شيئا من الرمي أول أيام التشريق عمدا أو سهوا فإنه يستطيع أن يتداركه في اليوم الثاني أو الثالث ، وإن ترك رمي اليوم الثاني تداركه في اليوم الثالث على الصحيح ، وإذا تدارك الرمي فلا دم عليه ، وقد عرفت من قبل أنه يجوز رمي الأيام الثلاثة في اليوم الثالث ، وأن الرمي جائز في كل أيامه ولو جمع كل الرمي في يوم واحد عند الشافعي وأحمد .
وحكمة الرمي الانقياد لأمر الله عز وجل ، والتعبد بالسمع والطاعة له تعالى ، والاقتداء بالخليل إبراهيم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وترغيم الشيطان والنفور منه ، وإشعار النفس برجمه وطرده من حياتها ومن الخضوع له ، والله أعلم .
النفر بعد الرمي
النفر هو النزول من منى إلى مكة بعد الرمي :
والنفر نوعان كما سبق : نوع يكون بعد رمي الجمار يوم الثاني عشر من ذي الحجة ، ويسمى : النفر الأصغر ، ويجب أن يكون قبل غروب شمس ذلك اليوم عند الجمهور . وقال أبو حنيفة : يجوز له البقاء إلى ما قبل فجر اليوم الثالث عشر كما سبق لأنه لا يبدأ هذا اليوم إلا بطلوع فجره ، فإن نفر قبل الفجر فلا شيء عليه إلا الكراهة لأنه تأخر عن الغروب .
والنفر الثاني هو الذي يحدث يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو أفضل من الأول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفر في اليوم الثالث من أيام التشريق ، قال تعالى : فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخرفلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله الذي إليه تحشرون
حكم المبيت بمنى ليالي الرمي
اختلف الفقهاء في حكم المبيت بمنى ليلتي التشريق لمن تعجل والليالي الثلاثة لمن تأخر . فقال الأحناف : إن المبيت بمنى ليالي التشريق سنة ، ولا شيء على من تركه ، ولكنه أساء لمخالفته السنة .
وقال الشافعية والحنابلة في المشهور عنهم : إن المبيت بها واجب ، فإن تركه ليلة لزمه التصدق بمد (قدر حفنة بالكفين المتوسطين) وإن تركه ليلتين لزمه مدان ، وإن تركه ثلاث ليال لزمه دم .
وأما المالكية فيوجبونه ويتشددون فيقولون : عليه لكل ليلة دم .
مع العلم بأن معظم الليل كالليل كله عند الجميع . وسواء أكان المبيت سنة أم واجبا فإنه يسقط عند الجميع عن أصحاب الأعذار مثل سقاة الماء ، ورعاة الإبل ، ورجال الأمن ، والقائمين على المرافق الهامة البعيدة عن منى ، ولا يستطيعون تركها ، والقائمين برعاية الأموال والماشية كالإبل والغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية كما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ، وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى فعليهم المبيت بها ؛ لأن عملهم يكون نهارا لا ليلا ، ولو غربت على السقاة وأمثالهم فليس عليهم المبيت لأن عملهم متواصل ليلا ونهارا .
ولا يرخص لأحد في ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر ولا في ترك طواف الإفاضة يومه ، لأن ذلك مكروه .
ومن أخر الرمي يوما أو يومين فإن عليه أن ينوي الترتيب عند الرمي ، فينوي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث . ويجوز عند البعض من العلماء تقديم يوم مع يوم ويرميهما في وقت واحد كأن يرمي ، عن اليوم الثاني من التشريق مع اليوم الأول منه ، وفي ذلك فسحة ورحمة ، ومن لم يبت بمنى ليلتي اليومين الأولين من أيام التشريق فإنه ليس له النفر الأصغر ، إنما النفر الأصغر لمن بات ، ومن لم يبت ينتظر إلى النفر الأكبر