رمي الجمار
الجمار جمع جمرة وهي : الحجر الصغير ، ورميها قذفها وهذا في اللغة ، وأما في الشرع فالمراد برمي الجمار هو : القذف بحصى معين في زمان معين ومكان معين .
والجمار التي ترمى ثلاث بمنى ؛ الصغرى التي تلي مسجد الخيف ، والوسطى والكبرى وهي جمرة العقبة ، وإليك البيان في مباحث الرمي بالجمار .
حكم رمي الجمار
رمي جمرة العقبة يوم النحر ، ورمي الجمار الثلاث يومين بعد يوم النحر واجب عند الأئمة الأربعة والجمهور : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى ورمي في سائر أيام التشريق بعدما زالت الشمس أخرجه السبعة والبيهقي وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . وقال عبد الرحمن بن عثمان التيمي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الخذف في حجة الوداع أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح .
أوقات الرمي
أيام الرمي أربعة : يوم النحر ، وأيام التشريق الثلاثة ، أما يوم النحر فترمى فيه جمرة العقبة فقط .
وقد أجمع المسلمون على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها فقد أصاب السنة ، ورمى في الوقت الذي يستحب فيه الرمي .
ويجوز أنه يرميها ابتداء من نصف ليلة النحر عند عطاء وطاوس والشعبي وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي وأحمد ، وعن أحمد أيضا أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي (الأحناف) وإسحاق وابن المنذر.. وقال مجاهد والثوري والنخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس .
وكذلك يجوز تأخير الرمي بعد الزوال إلى غروب الشمس . قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها ، وإن لم يكن ذلك مستحبا لها (إلا أن يكون التأخير لعذر مثل الزحام وغيره) .
فإن أخرها عن الغروب لغير عذر ، فهو مكروه ، ولا شيء عليه عند أبي حنيفة والشافعي ومحمد بن المنذر ويعقوب ، ومعهم مالك ، غير أنه مرة يقول : وعليه دم ، ومرة لا يقول بذلك .
ويرى أبو حنيفة وأحمد وإسحاق : تأجيل الرمي إلى الغد (ثاني أيام العيد) بعد الزوال.. ويكره الرمي قبل طلوع الشمس لغير عذر أيضا ، لأنه خلاف السنة كما علمت ، أما أصحاب الأعذار فلا شيء عليهم في تقديم ولا تأخير حسبما تقدم .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل أخرجه البزار ولهذا يجوز التأخير لأصحاب الأعذار ولو إلى آخر أيام التشريق .
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت رواه أبو داود والحاكم والبيهقي ، ورجاله رجال الصحيح .
وجاء في حديث أسماء أنها رمت ثم رجعت فصلت الصبح وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن (النساء) متفق عليه أي : أذن لهن في الرمي ليلا . والخلاصة أن رمي جمرة العقبة يجوز ابتداء من نصف ليلة النحر إلى فجر الثاني من أيام النحر عند بعضهم وبعضهم لا يجيز الرمي بالليل وإنما من جاءه الليل ولم يرم فليؤجل الرمي إلى ما بعد الزوال في ثاني يوم النحر . والسنة كون الرمي بعد طلوع شمس يوم النحر إلى زوالها لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر فالسنة في حقه وقت إمكانه ما دام ذلك في وقت الجواز ووقت الجواز إلى آخر أيام التشريق .
وأما وقت الرمي بعد يوم النحر وفي أيام التشريق الثلاثة ، فالمستحب أن يكون الرمي كل يوم بعد زوال الشمس حتى غروبها من اليوم نفسه .
ويجوز التأخير إلى طلوع شمس اليوم التالي بغير كراهة إن كان عذر ، وبغير عذر مكروه ، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرمي هذه الجمار بعد زوال الشمس وبهذا قال الأئمة الأربعة غير أن أبا حنيفة أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال ومعه في رأيه إسحاق ، ولكن لا ينفر من رمي إلا بعد الزوال ، وأجاز عطاء وطاوس الرمي قبل الزوال في جميع أيام الرمي ومعهم أبو جعفر محمد بن علي .
مكان الرمي
المطلوب أول يوم - وهو يوم النحر - أن يرمي جمرة العقبة وحدها بسبع حصيات ، وفي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق ، عليه أن يرمي كل يوم الجمار الثلاثة : الصغرى ، والوسطى ، والكبرى (وهي جمرة العقبة) ويبدأ بالصغرى ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى التي هي جهة مكة وأقرب الجمرات إليها .
من أين يؤخذ الحصى
يستحب أخذ حصى الرمي لجمرة العقبة من المزدلفة ، وهي سبع حصيات ترمي بها جمرة العقبة وحدها يوم النحر ، وأما جمار أيام التشريق فالأولى أخذها من غير المزدلفة عند الجمهور، ومن أي موضع أخذت جاز . ويكره أخذ الحصى من المسجد ومن المواضع النجسة ، ومن الجمرات التي رماها هو أو غيره .
عدد الحصى وقدر كل حصاة
المطلوب لرمي كل جمرة هو سبع حصيات ، والجمار التي ترمى كل يوم من أيام التشريق ثلاث في كل يوم من الأيام الثلاثة لمن تأخر ، ويومان لمن تعجل ، وترمى جمرة العقبة وحدها يوم النحر ، فيكون جميع الحصى الذي يرمى به بالنسبة لمن تأخر سبعون حصاة ، وبالنسبة لمن تعجل تسع وأربعون .
والقائلون بأن كل جمرة ترمى بسبع حصيات هم جمهور الفقهاء ، ومنهم الأئمة الأربعة والظاهرية ، وهناك قول للإمام أحمد : بأن خمس حصيات تكفي لكل جمرة ، والسبع أكمل ولا يجوز النقص عن خمس عنده ، واستدل على ذلك بقول ابن عباس في رمي الجمار ما أدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع أخرجه أبو داود والنسائي ، وأدلة الجمهور أقوى وأكثر .
ويستحب عند الجميع أن تكون كل حصاة في مقدار حبة الفول ، وهي قدر الأنملة فإن زادت أو قلت الحصاة عن ذلك كان الرمي بها جائزا مع الكراهة عند جمهور الفقهاء ، وفي رواية عن الإمام أحمد أن الرمي بحجر كبير لا يجوز .
جنس الحصى :
لا يجوز الرمي عند مالك والشافعي وأحمد إلا بالحجر ، فلا يجوز الرمي بالرصاص والحديد والذهب والفضة والزرنيخ والكحل ونحوها .
وقال الأحناف : يجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض سواء أكان حجرا ، أو طينا ، أو آجرا (الطوب المحروق) أو غيرها للأحاديث المطلقة في الرمي .
واستدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون الرمي بالحصى ، ولا يكون الحصى إلا من الحجر وأما الرمي بشيء ليس من جنس الأرض فإنه لا يجوز بالإجماع .