وصف الأعمال المطلوبة من بدء التحرك من مكة إلى الوقوف بعرفات
بعد وصول الحاج إلى مكة وقيامه بالطواف والسعي والحلق أو التقصير ، لإنهاء أعمال العمرة إن كان متمتعا ، فإنه بعد الحلق يلبس ملابسه العادية ويحل له كل ما حرم عليه بسبب الإحرام ويظل بعد ذلك حلالا يطوف بالبيت وينال فضيلة الصلاة بالمسجد الحرام ، حيث تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه ، وله أن يحرم بعمرة من وقت لآخر إن أراد الإكثار من الخير ، ويكون إحرامه للعمرة من الحل كما سبق ، ويظل على إحلاله حتى يأتي يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة فيحرم يومئذ بالحج من مكة ، وإن كان مفردا ، أو قارنا فإنه على إحرامه الأول ، لأنه لم يتحلل بعد طواف القدوم ، ثم يخرج الحجاج إلى منى بعد صلاة الصبح من اليوم الثامن بحيث يصلون بمنى خمسة أوقات هي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ثم يبيتون بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة ، ويصلون الصبح بها.
وكل ما ذكر سنة وليس واجبا فإذا طلعت الشمس يوم عرفة ساروا من منى متجهين إلى عرفات وأكثروا من التلبية والدعاء ، ويسن أن يذهبوا من طريق ويرجعوا من آخر إن أمكن ذلك ، فإذا وصلو نمرة مكثوا بها حتى تزول الشمس ، ويغتسلون بها للوقوف بعرفة إن أمكن ، فإذا زالت الشمس ذهب الإمام والناس إلى مسجد إبراهيم عليه الصلاة والسلام (مسجد نمرة) فيخطب الإمام خطبتين قبل صلاة الظهر يبين للناس فيهما ما يطلب منهم عند الوقوف بعرفة والنزول منه وغير ذلك ، ويفصل بين الخطبتين بجلوس قدر قراءة سورة الإخلاص ، ثم يصلي بالناس الظهر والعصر مجموعتين جمع تقديم يقصر فيهما ولو لم يكن في حالة سفر ، لأن الجمع والقصر من أجل اليوم وما فيه من عمل لا من أجل السفر كما يأتي وتكون الصلاتان بأذان واحد وإقامتين ، فإذا فرغوا من الصلاة اتجهوا إلى عرفات ضارعين إلى الله ملبين .
في الحج خطب أربع :
يسن أن يكون للحجاج جميعهم إمام منهم يبين لهم المطلوب ويقوم أمامهم بأداء المناسك على الوجه الأكمل ، ويخطب فيهم الخطب التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، يعرفهم فيها المناسك وأحكامها ، ويبين لهم الأركان والواجبات والسنن ، والمبطلات والمكروهات ، فإن استعصى قيام الإمام بالمطلوب لجميع الحجاج بسبب كثرتهم التي ترتب عليها تفرقهم في أماكن عديدة وفي رقعة واسعة من أراضي المناسك فلا بد من أن يكون لكل مجموعة من الحجاج إمام عالم يقوم بالدور السابق ويعتبر نائبا عن الإمام الأصلي ، ويمكن الاكتفاء بإمام واحد لو ركبت مكبرات للصوت توصل إرشادات الإمام وخطبه إلى جميع الأماكن التي يوجد فيها حجاج .
وإمام الحج مطلوب منه أربع خطب للتبيين والتوضيح والإرشاد :
(الأولى) :
يوم السابع من ذي الحجة وتكون بمكة ؛ ليوضح للناس كيفية الإحرام للحج بالنسبة للمتمتع وبالنسبة لأهل مكة ، وكيفية العمل المطلوب من جميع الحجاج حتى الوقوف بعرفة .
(الثانية) :
تكون بأرض عرفات ليبين لهم المطلوب في هذا اليوم ويكبر ويهلل ويدعو والناس يتبعونه حتى يتعلم الجاهل ، ويطمئن إلى صحة ما يعمل ، ثم عليه أن يجيب على أسئلة الناس - وما أكثرها في هذه المواقف - وعلمه أن يبين كيف ينصرفون من عرفات ، وكيف يبيتون بالمزدلفة ، ويقفون بالمشعر الحرام إلخ...
(الثالثة) :
يوم النحر بمنى ليوضح لهم المطلوب منهم في هذا اليوم وما بعده .
(الرابعة) :
يوم النفر الأول ؛ وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ، ليبين لمن تعجل ماذا يفعل ، ولمن تأخر كيف يتصرف هكذا .
وذلك يبين مدى الخطأ الفادح الذي تقع فيه الحكومات حين لا تهتم بإيفاد البعثات العلمية الدينية مع الحجاج ليبينوا لهم كيف يؤدون هذه الفريضة الغريبة عليهم في جميع جوانبها إلا من تكرر حجه ، ومع ذلك فهو ليس بعالم بأنواع الأحكام ولا بأنواع الجزاءات التي شرعت تكفيرا للأخطاء التي تقع أثناء الحج.. ولو أحسنت الحكومات الإسلامية ، ودفعتها الغيرة الدينية إلى عمل يفيد المسلمين ويثقفهم في دينهم لاختارت كبار العلماء ليقوموا بدور التعريف بالإسلام وتشريعاته السامية ، حتى يعودوا تائبين حقا عاملين على التغيير في أنفسهم وفي أمتهم مطالبين بالإسلام ليكون هو أساس العمل في جميع جوانب الحياة .
أيام لها أسماء :
في الحج أيام لها أسماء تناسب ما يعمل فيها وهي :
يوم التروية : وهو اليوم الثامن من ذي الحجة .
يوم عرفة : وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وقيل : هو يوم الحج الأكبر .
يوم النحر : العاشر من ذي الحجة وقيل : هو يوم الحج الأكبر .
يوم القر : وهو اليوم الحادي عشر لأنهم يقرون بمنى .
يوم النفر الأول : وهو اليوم الثاني عشر لأن البعض ينصرف من منى يومئذ .
يوم النفر الثاني : وهو اليوم الثالث عشر لأن الباقي ينصرف في هذا اليوم .
الحلق حكمه مقدار ما يحلق - كيفيته - ثمرته
الحلق هو الركن الرابع من أركان الحج على الصحيح عند الشافعية ، وقال غيرهم : هو واجب يجبر تركه بدم (ذبح شاة) ومنهم من قال : هو مباح بعد مناسك معينة ، والمراد بالحلق إزالة شعر الرأس بأي آلة من آلات الحلق ، أو بأي شيء آخر كإزالته بنوع من المساحيق ، أو بالنتف أو بالإحراق ، والأفضل كونه بالموسى إن أمكن ، وإن كان أقرع لا شعر له وجب عليه عند الأحناف إمرار الموسى على رأسه ، وقال غيرهم : إمرار الموسى على رأسه سنة إن أمكن .
والمراد بالتقصير أخذ جزء من الشعر قل ذلك الجزء ، أو كثر ، غير أنه يستحب ألا يقل ما يأخذه عن أنملة ، وأن يأخذ من جميع الشعر .
والرجل مخير بين أن يحلق وبين أن يقصر ، أما المرأة فيتعين عليها التقصير ، لأن حلق رأسها حرام عند جمهور الفقهاء ، ومكروه عند أبي حنيفة والشافعي إلا لعذر ، كمرض أو أذى برأسها ، وذلك لأن الحلق بدعة في حق المرأة ومثله .
والحلق للرجل أفضل وأكثر ثوابا من التقصير إلا أن تعين التقصير لعذر من الأعذار .
والحلق والتقصير ثابتان بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، قال تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون
وجاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم ارحم المحلقين . قالوا والمقصرين ؟ قال : والمقصرين أخرجه الجماعة إلا النسائي .
والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لمن أهلوا بالحج مفردين، أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا الحديث : أخرجه الشيخان وهذا الحديث استدل به من قال بوجوب الحلق أو التقصير ، وردوا به على من قال : إن الحلق أو التقصير شأنه شأن ملابس الإحرام ، له أن يفعله في وقته كما له أن يلبس ملابس الإحرام في وقت الإذن بلبسها ، وهو على هذا ليس نسكا من مناسك الحج .
ولا بد في الحلق أو التقصير من استيعاب جميع الشعر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه وقال خذوا عني مناسككم وبذلك قال مالك وأحمد ومحققو الأحناف ، وقال أبو حنيفة : يكفي حلق الربع أو تقصيره . وعن أبي يوسف يكفي حلق النصف أو تقصيره .
وقال الشافعي يجزئ في الحلق والتقصير ثلاثا شعرات هذا كله بالنسبة لحلق أو تقصير الرجل .
وأما المرأة فتقصر من كل قرن قدر الأنملة عند الأحناف والشافعي وأحمد .
وقال مالك : تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ، ولا يجوز الاقتصار على بعضها وكيفية الحلق المسنونة هي : أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق ، وإن كان على يسار الحالق ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نحر بمنى قال للحلاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس أخرجه مسلم وأبو داود وبهذا قال الجمهور . ويستحب لمن حلق أن يقلم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وطيته ، لأن ابن عمر كان يفعل ذلك .
وإذا حلق أو قصر بعد السعي للعمرة فقد حل له كل شيء سواء أكان ذاهبا للعمرة وحدها ، أم كان متمتعا بالعمرة ، عازما أن يضم إليها الحج فيما بعد ، أما إن كان محرما بالحج وحده ، أو بالعمرة مع الحج قارنا ، فإنه بعد الحلق يوم النحر يحل له كل شيء من محظورات الإحرام إلا الجماع ودواعيه القريبة كالقبلة واللمس بشهوة ، بخلاف النظر فإنه لا دم فيه ولو أنزل ، إذا كان لم يطف بالبيت طواف الإفاضة ، فإذا طاف حلت له النساء أيضا .
وإن كان لم يحلق حتى طاف بالبيت طواف الإفاضة فإنه بعد الحلق يحل له كل شيء حتى النساء .
والتحلل الأول يسمى التحلل الأصغر ، لأنه لم تحل به النساء .
والتحلل الثاني يسمى التحلل الأكبر ، لأنه حل له كل ما كان ممنوعا بالإحرام ، حتى النساء .